للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وقوم نوح من قبل)

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} [النجم:٥٢] أي: وأهلك قوم نوحٍ من قبل بالغرق، كما قال الله تعالى في سورة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] حيث قال عن نبيهم نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:١٠-١١] وفي قراءة: ((ففتَّحنا)) مما يدل على الكثرة وشدة الانفتاح، {أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:١١] أي: نازلٍ بشدة، {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:١٢] الأرض كلها كانت عيوناً ليس فيها موضع شبر إلا وهو يفور، حتى إن التنور الذي هو محل الإيقاد صار يفور مع أن محل الإيقاد أبعد ما يكون عن الرطوبة، لكنه فار فصارت الأرض كلها عيوناً والسماء تمطر.

{فَالْتَقَى الْمَاءُ} [القمر:١٢] ماء السماء وماء الأرض، {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:١٢] أي: أمر مقدر محدد بدون زيادة ولا نقص، سبحان الله العظيم! فغرق القوم حتى بلغ الماء قمم الجبال، ويذكر أن امرأة كان معها صبي فكلما علا الماء صعدت الجبل، حتى وصل الماء إلى قمة الجبل ووصل إلى المرأة وارتفع في جسدها، وكان معها صبي فحملت الصبي على يديها لترفعه لئلا يغرق قبلها وجاء في الحديث: (لو رحم الله أحداً لرحم أم الصبي) لكن إذا حقت كلمة الله فلا راد لقضاء الله تعالى، أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم.

وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم:٥٢] اختلف المفسرون فيها، فقيل: إن الضمير يعود على قوم نوح فقط، وقيل: إنه يعود على كل الأمم التي ذكرها الله عز وجل ممن أهلكهم.

فعلى القول الأول يكون المعنى أن قوم نوحٍ أظلم وأطغى من قوم ثمود وعاد، ووجه ذلك أنه حصل منهم عتو واستكبار مع طول المدة، حيث إن نوحاً عليه الصلاة والسلام لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يقول الله تبارك وتعالى عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:٥-٧] حتى لا يسمعوا، {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:٧] تغطوا بها حتى لا يبصروا، وهذا يدل على شدة كراهيتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام.

{وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:٧] أي: استكباراً عظيماً فلم يخضعوا لعبادة الله عز وجل، فكانوا أظلم وأطغى من عاد وثمود.

وعلى القول الثاني إن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم، يكون المعنى: أن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد! فيكون في هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك، والذي أهلك من سبق قادرٌ على أن يهلك من لحق، وكلا المعنيين صحيح، فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش، وقوم نوح أظلم وأطغى من عادٍ وثمود.