[جناية الحسد على طالب العلم]
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم في كل خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام (١٤١٨هـ) .
نكمل في هذا اللقاء ما سبق من بيان آداب طالب العلم وقد انتهينا في آداب طالب العلم إلى أنه يجب على طالب العلم أن يتجنب الحسد، فما هو الحسد؟ المعروف في تفسيره عند كثيرٍ من العلماء أنه: تمني زوال نعمة الله على عبده، يعني: إذا أنعم الله على شخص بعلمٍ أو مال أو جاه أو ولد أو غير ذلك، تتمنى أن تزول نعمة الله عليه، هذا المشهور عند كثيرٍ من العلماء.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: بل الحسد: كراهة نعمة الله على عبده وإن لم تتمنَ زوالها، يعني: متى كرهت أن الله أنعم على عبده فقد حسدته.
والحسد آفة عظيمة، فهو من كبائر الذنوب، لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ ولأنه من خصال اليهود، كما قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:٥٤] وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:١٠٩] .
ولأن الحسد حقيقته عدم الرضا بقدر الله عز وجل، فالذي أنعم على هذا العبد بهذه النعمة هو الله، فإذا كرهت هذه النعمة فإنك لم ترض بقضاء الله عز وجل، ولأن الحسد يأكل القلب أكلاً، ويورث الحسرة والندامة، وكلما ازدادت نعم الله على عباده ازداد الإنسان تحسراً بهذه النعمة.
ويرى أنه في مقامٍ لا يمكنه معه أن يدرك المنزلة التي حازها هذا المحسود فيستحسر ويقول: أنا لن أصل إلى هذا، وحينئذٍ يتأخر كثيراً عما أنعم الله على عباده.
ولأن الحسد يوقع الإنسان في همٍ وغمٍ دائماً، لأن نعم الله على عباده لا تحصى، أفكلما أنعم الله على عبده تزداد هماً وغماً؟!! إنك إن فعلت ذلك فقد قتلت نفسك.
وبناءً على هذا يجب على طالب العلم أولاً وعلى غيره من المسلمين ثانياً أن يتجنب الحسد، لا في قلبه، ولا في مقاله، ولا في أفعاله: أما القلب: فحسده ما يقوم به من كراهة نعمة الله على العبد وتمنيه زوالها.
وأما القول: فأن يخوض في عرض أخيه المحسود، ويستر كل نعمة أنعم الله بها عليه، فتجده مثلاً: عند ضغط الناس الجماعي عليه وعدم قبولهم منه ما يقوله في هذا المحسود، تجده يثني على المحسود ويقول: هو الرجل الكريم، الشجاع، العالم، العابد، وما أشبه ذلك، ثم يقول: ولكن كذا وكذا، وهذا يقع كثيراً فيأتي بمثلبة واحدة من مثالبه مقابل عدة مناقب لهذا، حتى ينزل من قدره، هذا عدوان بالقول على المحسود.
العدوان بالفعل على المحسود: أن يحاول عدم نشر كتبه، عدم نشر أشرطته، فلا يدل عليها في المكاتب، ولا في التسجيلات، وربما يُسأل: أفي المكتبة الفلانية كتاب فلان؟ أفي التسجيلات الفلانية أشرطة فلان؟ فيقول: لا، وهو يدري أنها موجودة، لكن حسداً يحسده، وهذا لا شك أنه من العدوان في حق أخيه ولهذا جاء في الحديث: (إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ) يعني: إذا وقع في قلبك حسد إنسان فلا تبغ عليه بكتم محاسنه والعدوان عليه.
فالحاصل: أن العدوان والبغي من الحاسد يزيده؛ أي: يزيد حسده إثماً ووبالاً، إذا عرفنا ذلك فإنه ينبغي لطالب العلم إذا احتاج أخوه إلى شيء من الكتب، أو المذكرات، أو الأشرطة أن يساعده في تحصيلها ما دامت عنده، ولا يستجيب لداعي الشيطان الذي يقول له: إنك إن ساعدته غلبك وتقدم عليك، فاحرص على ألا تساعده، فإن هذا من وحي الشيطان، وهو من أسباب تأخر هذا الإنسان الحاسد؛ لأن (الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فساعده (فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) .