للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن علينا للهدى)]

في هذا اللقاء نفتتحه بتفسير بقية سورة الليل، حيث قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:١٢-١٣] .

فقوله عز وجل: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:١٢] فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتدون به إليه، والمراد بالهدى هنا: هدى البيان والإرشاد، فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:١٦٣] إلى أن قال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٥] انتبهوا يا إخوان! لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة الهدى، ولذلك التزم الله عز وجل بأن يبين الهدى للإنسان: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:١٢] .

وليعلم أن الهدى نوعان: ١- هدى توفيق فهذا لا يقدر عليه إلا الله.

٢- هدى إرشاد ودلالة فهذا يكون من الله ويكون من الخلق؛ من الرسل والعلماء كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] .

أما هداية التوفيق فهي إلى الله، لا أحد يستطيع أن يوفق شخصاً إلى الخير، كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] .

إذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:١٢] وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء، بين ما يلزم الناس في العقيدة، وما يلزمهم في العبادة، وما يلزمهم في الأخلاق، وما يلزمهم في المعاملات، وما يجب عليهم اجتنابه في هذا كله، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً) وقال رجل من المشركين لـ سلمان الفارسي: [علمكم نبيكم حتى الخراءة؟ قال: أجل، علمنا حتى الخراءة] .

يعني: حتى آداب قضاء الحاجة علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته، ويؤيد هذا قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ} [المائدة:٣] .