يا شيخ! معلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة في القدر: الإيمان بمراتب القدر الأربع، ولكن في مقابلة إقناع الشخص الذي قد يحتج بالقدر أو ينقدح في ذهنه الاحتجاج بالقدر على المعصية، نقول له مثلاً: هل يصح أن نقول له: كل ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى علم هذا الأمر قبل وقوعه لتمام علمه، أو لابد أن نعدد المراتب، فنقول: الله سبحانه وتعالى علم ذلك وشاءه وخلقه وأوجده، فربما يقع في قلبه أنه مجبر على فعل هذه المعصية؟
هذا يسير، نقول: هذا قدره الله عليك، لكن أنت حين مباشرتك إياه، هل تعلم أن الله قدره عليك؟ -نسأل- هل تعلم قبل أن تسرق أن الله قدر أن تسرق؟ إذاً لماذا تقدم على السرقة، أنت لا تعلم بأن الله كتب عليك السرقة إلا إذا سرقت، فيكون فعلك باختيارك، لكن بعد أن تفعل تعلم أن الله قدر عليك هذا، ولماذا لا تقدِّر أن الله قدر لك العفاف والغنى وتترك السرقة، لماذا لا تقدِّر هذا؟ أنت في خيار الآن لو وقع منه شيء فلا بأس أن يحتج بالقدر، لو وقع منه الشيء وندم وقال: والله مع الأسف! لكن هذا شيء مقدر، يعني: رجل شرب الخمر فقيل له في ذلك، قال: والله! إني أكره ما يكون عندي الخمر، لكن هذا شيء مقدر وقدر الله وما شاء فعل، وأنا تائب إلى الله، هذا لا بأس به؛ لأنه بتوبته اندفع عنه اللوم وارتفع عنه اللوم، واحتجاجه بالقدر لعموم مشيئة الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها ليلاً، فوجدهما نائمين فقال لهما: ألا تصليان؟ يعني: يلومهما أنهما لم يقوما للصلاة، فاحتج علي رضي الله عنه بالقدر وقال: إن أنفسنا بيد الله عز وجل، ولو شاء الله أن يوقظنا لأيقظنا فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:{وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}[الكهف:٥٤] ) ولم ينكر عليه الاحتجاج بالقدر.
ومن ذلك أيضاً قول آدم لما احتج عليه موسى (أخرجتنا ونفسك من الجنة، قال: أتلومني على شيء كتبه الله عليَّ.
) ففرق بين إنسان يحتج بالقدر ليبرر موقفه من فعل المعصية ويستمر فيها، وإنسان احتج بالقدر مع توبته إلى الله عز وجل ورجوعه.
الثاني لا بأس به، ويدل على هذا حديث وهو:(احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) ولهذا أنكر الله على الذين أشركوا وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}[الأنعام:١٤٨] مع أنه قال لنبيه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}[الأنعام:١٠٧] لأن أولئك يحتجون بالقدر لدفع اللوم عنهم، وعذرهم في استمرارهم على الشرك، وأما قوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا}[الأنعام:١٠٧] فالمراد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يلحقهم الندم الشديد على شركهم؛ ليبين أن الله تعالى هو الذي شاء أن يشركوا.
السؤال: أي العبارتين أتم فنقول: كل ما في الأمر أن الله علم هذا الأمر؟ الشيخ: لا.