[تفسير قوله تعالى:(هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين)]
قال تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}[الذاريات:٢٤] .
هل أتاك الخطاب؟ ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل له ولكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، كأنه قال:(هل أتاك) أيها المخاطب (حديث ضيف إبراهيم المكرمين) ؟ والاستفهام هنا للتشويق، كما أنه في بعض الأحيان يكون للتخويف، فيكون للتشويق، فقوله هنا:{هَلْ أَتَاكَ}[الذاريات:٢٤] كأنه يشوقك إلى أن تسمع هذا الحديث، ونظيره في التشويق قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الصف:١٠] ليس المراد بمثل هذا الاستفهام أنه يستفهم: هل يدلنا؛ لأنه لا يريد أن يستفهم لنفسه، ولكن أراد أن يشوق المخاطبين إلى ذلك.
ويكون الاستفهام للتهديد، والإنذار، والتخويف في مثل قوله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[الغاشية:١] ثم قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}[الغاشية:٢-٣] .
فإذا قال قائل: أي شيء يدلنا على أن الاستفهام للتشويق أو للتهديد أو للاستخبار أو ما أشبه ذلك؟ نقول: الذي يدلنا على هذا السياق وقرائن الأحوال، والعاقل يفهم هذا وهذا.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ} أي: خبر {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} وضيف هنا مفرد لكنه يسع فيه الجماعة والواحد، وهم جماعة ملائكة كرام عليهم الصلاة والسلام، (ضيف إبراهيم) أي: الذين نزلوا ضيوفاً عنده، و (إبراهيم) هو الخليل عليه الصلاة والسلام وهو أبو العرب وأبو بني إسرائيل، كما قال الله تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}[الحج:٧٨] وهو الذي أمرنا الله تعالى أن نتبع ملته، قال الله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٣] .
ولهذا ادعت اليهود أن إبراهيم يهودي، والنصارى ادعو أنه نصراني، ولكن الله تعالى كذبهم في ذلك، فقال:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[آل عمران:٦٧] .