للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التحية العسكرية]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كَثُر الكلام يا فضيلة الشيخ! حول التحية العسكرية وتحية العلم، ما بين مبدِّع ومكفِّر، وقبل شهرين أو عدة أشهر نشرت مجلة الحرس الوطني نشرة تبين التحية العسكرية؛ أنواعها، ونشأتها، وتطورها، ومن ضمن كلامها قالت: منذ العصور الأولى للتاريخ والناس يميزون بين رجل وآخر، وقد تجلى ذلك باستحداث طرائق خاصة للتحية التي ما لبثت أن أخذت طريقها في الذيوع والانتشار، وعلى رغم أن شعوب الدنيا اختلفت في طرائق هذه التحية إلا أنها اتفقت جميعها على وجوب أدائها.

إلى أن قالت: وفي أحيان أخرى مؤداها إظهار الأمن والسلام والتعظيم.

فما هو رأي فضيلتكم في هذه المسألة من حيث كونها بدعة أو كفراً، وإن كانت بدعة، فما حكم مَن فعلها وهو كاره، وجزاكم الله خيراً.

أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وأخبركم بأن السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون الرسول في المجلس ولا يسلِّمون، إنما السلام عند اللقاء.

وأما ما يتعلق بالتحية العسكرية، فأقول لكم يا إخواني! نصيحةً لله: كل شيء يتعلق بجهة مسئولة فالسؤال عنه من الأفراد في غير محله.

لماذا؟! لأن ذلك لا يجدي شيئاً.

افرض أنني قلت: إنها بدعة، أو كفر، أو فسق أو ما أشبه ذلك، هل يفيد؟! هذا لا يفيد، إلا أن المستفتي يأخذ هذه الفتوى ويذهب ينازع فيها ولاة الأمور ولا يستفيد من هذا شيئاً.

فأرى أنه إذا حصل شيء منكرٌ في أي جهة مسئولة لا يجوز السكوت عليه؛ لأن السكوت عن المنكر معناه: تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن تؤتى البيوت من أبوابها.

فهذا السؤال يورَد على مَن؟! يورَد على وزير الدفاع، أو على وزير الداخلية، أو على الجهة المسئولة، ويقال: إذا كنتم تعلمون أن هذا حرام فاتقوا الله فينا، لا تجعلونا نتجشَّم الحرام فنأثم نحن وتأثمون أنتم، وإذا كنتم لا ترون هذا حراماً فبيِّنوا لنا، وإذا كان الأمر أشكل عليكم: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] .

أما أن يَسأل هذا السؤالَ فردٌ من أفراد الجنود أو الجيش، ثم يأخذ الجواب ويجعله سيفاً مصلتاًَ، كلما شاء أشهره، فأنا أرى أن هذا ليس من الحكمة، وأنه لا يجدي شيئاً، ولا يفيد.

فهذا السؤال ينبغي للعقلاء منكم أن يوجهوه إلى الوزير في هذه الجهة المسئولة، ويقال له بصراحة: نحن وأنت عبيد لله عزَّ وجلَّ، وأنت ولاك الله علينا؛ فعليك أن ترعانا حقَّ الرعاية وأحسَنها.

ثم نسأله: هل أنت ترى أن هذا حرام؟! فاتقِ الله في نفسك، واتقِ الله فينا.

هل ترى أنه حلال؟! فبيِّن لنا؛ لأنه أُشْكِل علينا ولأن من الناس -وأنا سمعتُ بنفسي- من يقول: التحية العسكرية كفر والعياذ بالله، فيكفِّر مَن لا يكفِّره الله ورسوله، ألم يعلم هذا أنه سيُسأل يوم القيامة عمَّا قال؟! ألم يعلم أن مَن دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك فهو كافر؟! هكذا جاء الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

فالمسألة ليست هينة، فكونه يصف الإنسانَ ويقول: هذا كافر، وهذا فاسق؛ فهذا غلط.

من الذي له الحكم؟! الله عزَّ وجلَّ، فإذا كفَّر الله أحداً فهو كافر، وإذا لم يكفِّره فلا يجوز أن نكفر بمجرد أذواقنا وأهوائنا.

فأقول: قُل مثلاً للوزير المسئول: إذا كنت ترى أن هذا حلال فبيِّن لنا؛ لأن من الناس من شوَّش علينا، وقال: هذا فسق، هذا بدعة، هذا كفر، فبيِّن لنا.

وإذا كان أشكل عليك فالحمد لله باب الفتوى مفتوح، وعند الدولة والحمد لله ما يحصل بهم الهدى إن شاء الله تعالى، فاسأل.

فإذا قيل لك: هذا جائز، برئت ذمتك، وإذا قيل: هذا حرام، فامتنع.

هذا جوابي على هذه المسألة.

وأنا أنصح كل إنسان في هذه المسائل ألا يسأل فردٌ من أفراد جهةٍ مسئولة عن حكم شيء عام، وليسأل عن نفسه ويقول مثلاً إذا فعلتُ كذا، أو إذا صليت بلا وضوء إذا.