[تفسير قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)]
قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] الهداية تكون بمعنى الدلالة, وتكون بمعنى التوفيق, فأي المعنيين هناك يريد الداعي: هداية التوفيق أم هداية الدلالة، أو كلتيهما؟ كلتيهما, يريد هداية الدلالة أي: العلم, هداية التوفيق أي: التزام الصراط المستقيم, ومعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يلتزم الصراط المستقيم إلا بعلم, كيف يعبد الله على جهل؟ لا يمكن! لا بد أن يهديه الله, يدله أولاً ثم يوفقه ثانياً.
قول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم, ما المراد بالهداية هنا؟ هداية الدلالة والإرشاد والبيان, وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:٥٦] هداية التوفيق, يعني: لا تستطيع أن توفق أحد للهدى أبداً, لا يستطيع ذلك إلا الله وحده, وقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:١٧] هداية الدلالة, دلهم الله على الحق, وبين لهم رسولهم الحق ولكنهم: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فصلت:١٧] .
المهم أن الهداية نوعان: هداية الدلالة, وهداية التوفيق.
هداية الدلالة تكون بالعلم, وهداية التوفيق تكون بالسير على الصراط المستقيم.
وقول المصلي أو الداعي بهذه الآية الكريمة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي: هداية الدلالة والتوفيق, فيكون هذا الدعاء شاملاً للعلم بالحق, والعمل بالحق.
وقوله: (الصِّرَاطَ) يقول أهل اللغة: إن الصراط لا يطلق على الطريق إلا إذا كان واسعاً, أما الطريق الضيق فليس بصراط, ووجه ذلك في المعنى: أن الصراط والزراط والسراط كلها تدل على سعة وسهولة النفوذ, يقال: زرط الرجل اللقمة.
أي: ابتلعها بسرعة وسهولة, هنا الصراط أي: الطريق الواسع الذي يمضي به الإنسان من غير تعب ولا مشقة.
لكن الصراط قد يكون مائلاً, وقد تكون فيه مرتفعات ومنخفضات, ولهذا قال: (الْمُسْتَقِيمَ) أي: الذي لا اعوجاج فيه وليس فيه منخفض ولا مرتفع, لأن الطريق المعوج يعوق.
مثلاً: إذا كان بينك وبين البلدة في خط مستقيم ٢٠ كيلو, يكون بينك وبينها في خط معوج ٣٠ كيلو أو أكثر حسب كثرة الاعوجاج, كذلك في المنخفضات والمرتفعات, إذا كانت الطريق سوياً فإنك تصل إلى ما تريد بسرعة, لكن إذا كان مرة في الأعلى ومرة في الأسفل زاد عليك الطريق, فالمستقيم إذاً هو المستوي المعتدل, فخرج المعوج وما فيه من انخفاض وارتفاع.
فما المراد بالصراط المستقيم هنا: هل المراد الصراط المستقيم الحسي أم المعنوي؟ المراد المعنوي ليس الحسي, أما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:٢٢] فالمراد به الحسي، ولهذا هداه الله عز وجل إلى سواء السبيل, لكن هنا الصراط المعنوي, والصراط المعنوي بينه بقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧] .