انتهينا في اللقاء السابق إلى قول الله تعالى:{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ}[الانشقاق:١٦-١٩] هذه الجملة مكونة من قسم ومقسم به ومقسم عليه ومُقسِم.
فالقسم في قوله:{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ}[الانشقاق:١٦] قد يظن الظان أن معنى (لا أقسم) نفي، وليس كذلك؛ بل هو إثبات و (لا) هنا جيء بها للتنبيه ولو حذفت في غير القرآن لاستقام الكلام، ولها نظائر مثل قوله:{لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}[البلد:١]{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[القيامة:١]{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ}[المعارج:٤٠]{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ}[الحاقة:٣٨] وكلها يقول العلماء: إن (لا) فيها للتنبيه، وأن القسم مثبت.
أما المُقسِم فهو الله عز وجل، وأما المُقسَم به في الآية فهو الشفق وما عُطف عليه، فإن قال قائل: لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم؟ وكذلك يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم؟ قلنا: إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن نزل باللسان العربي.
وإذا كان من عادة العرب أنهم يؤكدون الكلام بالقسم، صار هذا الأسلوب جارياً على لسانهم.
وقوله:(بالشفق) الشفق هو: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء، وبعضهم قال: إذا غاب البياض -وهو يغيب بعد الحمرة بنحو نصف ساعة- لكن الذي عليه الجمهور ويقال: إن أبا حنيفة رحمه الله رجع إليه هو أن الشفق هو الحمرة، وإذا غاب هذا الشفق فإنه يدخل وقت العشاء ويخرج وقت المغرب.