[تفسير قوله تعالى:(وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين)]
نبتدئ بما اعتدنا البداءة به من تفسير كلام الله عز وجل، حيث انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى:{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:٣٨-٣٩] أي: في موسى آيات من آيات الله عز وجل حين أرسله الله تعالى إلى فرعون، وفرعون علم جنس على كل من حكم مصر وهو كافر، وموسى هو ابن عمران أفضل أنبياء بني إسرائيل وهو في المرتبة الثالثة من الفضل بالنسبة لأولي العزم الخمسة، فإن أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح وعيسى.
أرسله الله تعالى بسلطان مبين، أي: بحجة بينة في نفسها مبينة لغيرها، فالآيات التي جاء بها الأنبياء بينات واضحات لكل ذي عدل وإنصاف، وهي -أيضاً- مبينة لصدق ما جاءت به الرسل، ولهذا اعلم أنه كلما جاء في القرآن المبين كلمة (مبين) فهي بمعنى مبين في ذاته مبين لغيره، إلا ما دل السياق على أن المراد البين في ذاته.
{إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} من الآيات العظيمة التي جاء بها موسى العصا، عصا موسى التي كان يستعملها فيتوكأ عليها عند الحاجة، ويهش بها على غنمه أوراق الشجر عند رعيها، وله فيها حاجات أخرى، كما قال الله لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأله:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:١٧-١٨] فهي آية في كونه إذا وضعها على الأرض صارت ثعباناً مبيناً، أي: حية عظيمة تخيف من رآها، ولهذا رهب منها موسى عليه الصلاة والسلام حين ألقاها وولى هارباً، فناداه الله عز وجل:{لا تَخَفْ}[النمل:١٠] .
ومنها: أنه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء في الحال، بيضاء بدون سوء، أي: بدون عيب، ليست بيضاء برص، ولكنها بيضاء مخالفة للون جلده في الحال، حقيقة لا تخييلاً.
وقال الله تعالى في سورة الإسراء:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}[الإسراء:١٠١] المهم أنه أتى إلى فرعون بسلطان مبين وحجة دامغة بالغة لكنه -والعياذ بالله- (تولى بركنه) أي: بقوته وسلطانه وجنده، أعرض عن موسى استكباراً وجحوداً وظلماً وعدواناً، قال الله تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً}[النمل:١٤] .