قال تعالى:{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى}[النازعات:٢٢](أدبر) أي: تولى مدبراً يسعى حثيثاً {فَحَشَرَ فَنَادَى}[النازعات:٢٣] حشر الناس، أي: جمعهم ونادى فيهم بصوتٍ مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم وصدهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام.
{فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى}[النازعات:٢٣-٢٤]-والعياذ بالله- قال لقومه: أنا ربكم الأعلى، يعني: لا أحد فوقي؛ لأن الأعلى اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادعى لنفسه ما ليس له في قوله:{أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤] ؟ وكان يفتخر بالأنهار والملك الواسع، فيما قال لهم:{يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:٥١-٥٢] فما الذي حصل؟ أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم، قال الله تعالى:{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى}[النازعات:٢٥] يعني أنه نكل به في الآخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، فكل من قرأ كتاب الله وقرأ ما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به.
وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم، وهذا الجبروت، وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين.