لقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى:{ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}[النجم:٣٠] في سورة النجم أي: (ذلك) والمشار إليه كونهم متولين معرضين لا يريدون إلا الحياة الدنيا، أي: ذلك منتهى بلوغ علمهم؛ لأن علمهم قاصر لا ينظرون إلى المستقبل ولا يصدقون بخبر، فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا، معرضين عن حالهم في الآخرة، {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}[النجم:٣٠] وفي الدعاء المأثور: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) .
ثم قال الله عز وجل:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}[النجم:٣٠] هو أعلم عز وجل بمن ضل عن سبيله فعلاً ومن سيضل؛ لأنه عالمٌ بما كان وما يكون، فقوله:(بمن ضل) لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل، بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ومن سيحصل منه؛ لأن الله سبحانه وتعالى موصوفٌ بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي، وقوله:{وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}[النجم:٣٠] ضد الضلال، فالناس بين فئتين: إما مهتدٍ، وإما ضال، وإنما بيّن الله سبحانه وتعالى أنه (أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) لفائدتين: الفائدة الأولى: أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادرٌ عن علم الله وبإرادته؛ إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه، لو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلاً وحاشاه من ذلك.
الفائدة الثانية: التحذير من الضلال والترغيب في الاهتداء، ما دام أن الإنسان يعلم أن أي عملٍ صدر منه فعلمه عند الله فإنه سوف يخشى أن يعصي الله، وسوف يرضى أن يرضي الله عز وجل، فإذاً الفائدة أمران: الأولى: أنه لا يحصل شيء في الكون إلا بعلم الله سبحانه وتعالى.
والثانية: الترغيب في الهداية أو في الاهتداء والترهيب من الضلال، أي: كأنه يقول: إن ضللت فالله عالمٌ بك، وإن اهتديت فالله عالمٌ بك، فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}[النجم:٣٠] .