ثم بين وجه الموافقة، أي: موافقة هذا العذاب للأعمال فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}[النبأ:٢٧-٢٨] ، فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً} أي: كانوا لا يأملون أن يحاسبوا، بل ينكرون الحساب وينكرون البعث، يقولون:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية:٢٤] ، فلا يرجون حساباً يحاسبون به؛ لأنهم ينكرون ذلك، هذه عقيدة قلوبهم.
أما ألسنتهم فيكذبون يقولون: هذا كذب هذا سحر هذا جنون، وما أشبه ذلك، كما تقرءون في كتاب الله ما يصف به هؤلاء المكذبون رسل الله، كما قال الله عز وجل:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:٥٢] ، وقال الله تعالى عن المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم:{وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[ص:٤] ، وقالوا إنه شاعر:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}[الطور:٣٠] وقالوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الحجر:٦-٧] ، ولولا أن الله ثبت أقدام الرسل، وصبرهم على قومهم؛ ما صبروا على هذا الأمر، ثم إن قومهم المكذبين لهم لم يقتصروا على هذا، بل آذوهم بالفعل كما فعلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذية العظيمة، بل آذوه بحمل السلاح عليه، فمن كانت هذه حاله فجزاؤه جهنم جزاءً موافقاً مطابقاً لعمله، كما في هذه الآية الكريمة:{جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}[النبأ:٢٦-٢٨] .