قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}[الفجر:٦-٧] الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا التكذيب وهم البشر كلهم، بل والجن أيضاً:(ألم تر) أيها المخاطب: {كيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أي: ما الذي فعل بهم.
و (عاد) قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام، فبلغهم الرسالة، ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا: من أشد منا قوة؟ قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}[فصلت:١٥] فهم افتخروا بقوتهم ولكن الله بيّن أنهم ضعفاء أمام قوة الله، ولهذا قال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ} ولم يقل: أن الله أشد منهم قوة، بل قال:{الَّذِي خَلَقَهُمْ} ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم؛ لأن الخالق أقوى من المخلوق:{أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}[فصلت:١٥-١٦] .
هنا يقول:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} الذي فعله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة:٧]{فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف:٢٥] وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار، يعني: اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، كيف أذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[هود:٨٣] .