[تفسير قوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)]
قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:٦] (يولج) : أي يدخل الليل في النهار, و (يولج النهار) أي: يدخله في الليل, وهذا يعني اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر, أحياناً يبدأ الليل في الزيادة -كما في أوقاتنا الآن؛ فيدخل على النهار، هذا يولج الليل في النهار, أحياناً يبدأ الليل ينقص ويزيد النهار, فيدخل النهار على الليل, لا أحد يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى, لو اجتمع الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، البشر والملائكة، ما استطاعوا أن يولجوا دقيقة واحدة من الليل في النهار أو من النهار في الليل, والله عز وجل يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.
ثم هذا الإيلاج ليس يأتي دفعة واحدة, فلا يمكن أن تقول: أقصر ليلة في أطول ليلة في يومين! لا يمكن, ولكنه يأتي تدريجياً شيئاً فشيئاً, أول ما يبدأ بزيادة تجده يأخذ قليلاً, في اليومين أو الثلاثة دقيقة واحدة, ثم يزداد يزداد حتى يكون عند تساوي الليل والنهار يأخذ حوالي دقيقتين في اليوم تدريجياً, أرأيتم لو جاء دفعة واحدة, كنا مثلاً في أطول يوم في السنة وإذا بنا في اليوم الثاني إلى أقصر يوم في السنة, ماذا يترتب عليه؟ مفاسد عظيمة, لأن الناس سينقلبون من حر مزعج إلى برد مؤلم في خلال أربع وعشرين ساعة, وهذا لا شك مضر للأبدان والنبات والجو, لكنه عز وجل يولجه على تنظيم, موافق للحكمة تماماً, ولا أحد -والله- يستطيع أن يفعل هذا أبداً, ومهما بلغ من القوة.
{وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد:٦] (ذات الصدور) هي: القلوب, (ذات الصدور) أي: صاحبة الصدور وهي: القلوب, والدليل أنها القلوب: قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] إذاً: هو عليم بما في القلب, هل تصدق بذلك؟ نعم.
تصدق, لأن الخبر خبر الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:١٢٢] إذا كنت تصدق بذلك، فهل يمكن أن تضمر في قلبك ما لا يرضاه الله؟ إن كنت مؤمناً لا يمكن, طهّر قلبك من الرياء والنفاق والغل على المسلمين, والحقد, والبغضاء, طهره لأن قلبك معلوم عند الله عز وجل -اللهم طهر قلوبنا- طهر قلبك من هذا, املأه محبة لله وتعظيماً, ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً كما يليق به, ومحبة للمؤمنين, ومحبة لشريعة الله وإن كرهتها, قال الله عز وجل للصحابة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦] .
لا تضمر في هذا القلب المضغة شيئاً يكرهه الله, إن فعلت فإن الله عليم به لا يخفى عليه, فطهر قلبك حتى يكون نقياً سليماً, لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم, كما قال عز وجل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨-٨٩] .
وتغيرات القلب تغيرات سريعة وعجيبة, ربما ينتقل من كفر إلى إيمان أو من إيمان إلى كفر في لحظة -نسأل الله الثبات- تغير القلب يكون على حسب ما يحيط بالإنسان, وأكثر ما يوجب تغير القلب إلى فساد حب الدنيا, حب الدنيا هذه آفة, والعجب أننا متعلقون بها, ونحن نعلم أنها متاع الغرور, وأن الإنسان إذا سر يوماً وسيء يوماً آخر, كما قال الشاعر:
فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
كل لذة في الدنيا فهي محوطة بمنغص، لذلك احرص على تطهير القلب من التعلق بالقلب, إلا ما ينفعك في الآخرة كأن تتعلق بالدنيا لتصبح غنياً تنفق مالك في سبيل الله, وفيما يرضي الله عز وجل فهذا شيء آخر, طلب المال للأعمال الصالحة خير, لكن طلب المال لمزاحمة أهل الدنيا في دنياهم هذا شر.