للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا)]

نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به وهو الكلام بما ييسره الله عز وجل من آيات من كتاب الله، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣] .

يقول: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} أي: اذكر يوم يقول، فكلمة (يوم يقول) ظرف زمان ولابد لظرف الزمان والمكان والجار والمجرور من شيء تتعلق به، والعلماء يقدرون المحذوف في كل مكان بما يناسبه، فهنا المناسب أن يكون التقدير: اذكر أيها الإنسان يوم يقول المنافقون.

الخ.

هذا اليوم هو يوم القيامة، والمنافقون هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:١١] ولم يظهر النفاق إلا بعد أن قويت شوكة المسلمين بعد غزوة بدر، وكانت غزوة بدر في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً على الكفار، فلما بزغ فجر الإسلام وقويت الشوكة ظهر النفاق.

النفاق هو أن الإنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وشاع ذلك في المسلمين، وقد كانوا يأتون إلى الصلاة مع الناس ويحضرون الجماعة لكنها كانت ثقيلة عليهم، وأثقل الصلوات على المنافقين هي صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأنه ليس هناك أضواء يشاهدون فيها وهم إنما يصلون ويراءون الناس.

في يوم القيامة يظهر نور للمؤمنين والمنافقين ثم ينطفئ نور المنافقين، وأنت تعلم أيها الإنسان أن انطفاء النور بعد وجوده يكون أشد ظلمة مما لو لم يكن هناك نور، ولهذا لو أنك أطفأت النور القوي ثم فتحت عينيك لم تر شيئاً إلا بعد برهة من الزمن، فيكون انطفاء النور بعد وجوده أشد عليهم مما لو لم يكن هناك نور، ثم تكون الحسرة أشد.

فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣] انظروا إلينا (نقتبس من نوركم) أي: نأخذ شيئاً قليلاً بقدر الحاجة {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} [الحديد:١٣] والقيل هذا إما من المؤمنين وإما من الملائكة، لا ندري الله أعلم {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:١٣] وهل هذا حقيقة أو تهكم بهم؟ يعني: هل هو حقيقة أنهم يريدون أن يذهبوا إلى مكان النور الذي انطفأ فيه النور لعله يتجدد النور؟ أو أن هذا من باب الاستهزاء بهم والسخرية، والآية محتملة هذا وهذا.

ثم بعد ذلك {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} [الحديد:١٣] أي: بين المنافقين والمؤمنين {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد:١٣] هذا السور عظيم يمنع من القفز من وراءه (له باب) يدخل منه المؤمنون ويمنع منه المنافقون.

{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} [الحديد:١٣] باطن هذا السور فيه الرحمة للمؤمنين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣] للمنافقين، وأنت لا تستطيع أن تتصور هذا الحالة، لأن الحال أعظم من أن نتصورها، حال عظيمة.