[تفسير آيات الإشهاد على الوصية في سورة المائدة]
أرجو من فضيلتكم شرح الثلاث الآيات من سورة المائدة وهي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:١٠٦-١٠٨] ؟ وجزاكم الله خيراً! الشيخ: هذا السؤال هل أنت في حاجة إليه؟ السائل: والله! أحب أن أعرف معناها؛ لأني اطلعت عليها في التفسير ووجدت كلام علماء فوق مستوانا.
الشيخ: هذه الآية الكريمة تفيد: أنه إذا أراد الإنسان أن يوصي وحضره الموت, فإنه يشهد رجلين من المسلمين؛ لأن غير المسلم لا تقبل شهادته, لكن عند الضرورة لا بأس أن يشهد غير المسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} أي: من المسلمين, فيوصي ويشهد اثنين من المسلمين, ولا يشهد غير المسلمين, لكن عند الضرورة يشهد؛ ولهذا قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ثم ضرب مثلاً للضرورة: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: كنتم في سفر {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} يُشْهِدُ اثنين على الوصية: بأني أوصي كذا وكذا, سواء أوصى بدين عليه فقال: أشهدكم أن عليّ لفلان كذا وكذا, أو أوصى بتبرع, فيشهد هذين الاثنين من غير المسلمين, فإذا قدما إلى البلد وأردنا أن نستشهدهما فإننا نحبسهما من بعد الصلاة, أي: بعد صلاة العصر، وهذا الزمن مما تؤكد فيه الشهادة؛ لأنه آخر النهار والدعوة فيه مستجابة في الغالب, فنحبسهما من بعد الصلاة: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} يحلفان عند الشهادة لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى, ولكن ذلك يكون إن ارتبنا في شهادتهما, أما إذا لم نرتب فلا حاجة إلى استحلافهما, لا نحلفهم: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} .
نعيد مرة أخرى, يقول: إذا كان الإنسان في سفر وأراد أن يوصي، بأن حضره الموت وعرف أنه سيموت, إما بحادث وبقي فيه رمق ويريد أن يتكلم, وإما بمرض أنهكه ويعرف أنه قرب أجله فإنه يشهد على وصيته اثنين من المسلمين, فإن لم يكن معه مسلمون ومعه من غير المسلمين أشهد اثنين من غير المسلمين للضرورة؛ لأنه ليس هناك وقت وهو يعرف أن أجله حضر، وليس هناك مسلم فللضرورة يشهد الكافرين, الكافران إذا قدما البلد ماذا نعاملهما عند الاستشهاد؟ نحبسهما من بعد صلاة العصر, والحبس هنا ليس حبساً في السجون, لا، أي: نوقفهم, ونقول: احلفا بالله أنكما لم ترتكبا إثماً (فيقسمان بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى) أي: لا نشهد شهادة باطل وزور ولو كانا أقرب قريب له: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أي: لا نخفي مما شهدنا به شيئاً: {إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} , هذا هو الفصل الأول من القصة.
{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} أي: إن تبين بعد ذلك أن شهادتهما باطلة: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ينظر أولى الناس بهذا الميت وهم أقرب الناس إليه وهم الذين يرثونه: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} .
وفي الآية الثانية قول آخر, ولا يحضرني الآن, لكن فيها قول آخر: أن الذي يحلف غير ورثة الميت, ونؤجل الكلام عليها إلى أن نطلع عليها إن شاء الله في كتب المفسرين.