قال تعالى:{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا}[النبأ:٤٠] أي: خوفناكم من عذاب قريب، وهو عذاب يوم القيامة، وهو في الحقيقة قريب، ولو بقي في الدنيا ملايين السنين فإنه قريب:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات:٤٦] ، فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت، قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.
قال تعالى:{يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}[النبأ:٤٠] المرء، أي: كل امرئ ينظر ما قدمت يداه، ويأخذ كتابه ويعرف مصيره، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}[الإسراء:١٤] ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول، وما يشاهد من العذاب، يقول:{يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ:٤٠] أي: ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول: كوني تراباً، حينئذ يتمنى أن يكون مثل البهائم، فقوله:{يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ:٤٠] تحتمل ثلاث معاني: المعنى الأول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ:٤٠] أي: فلم أخلق؛ لأن الإنسان خلق من تراب.
المعنى الثاني:{يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ:٤٠] فلم أبعث، يعني: كنت تراباً في أجواف القبور.
أو المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً قال: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[النبأ:٤٠] أي: كما كانت هذه البهائم، والله أعلم.
وإلى هنا تنتهي سورة النبأ وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه، وأن يجعله موعظة لقلوبنا وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.