في ليلة الثاني عشر: يبيت الحجاج في منى، وعرفتم أن البيتوتة في منى واجبة، وأنه لا يجوز التهاون بها، وفي اليوم الثاني عشر نرمي الجمرات كما رميناها في الحادي عشر، ثم من أراد أن يتعجل فلينصرف من منى ومن أراد أن يتأخر فليبق؛ لأن الله خير، فقال:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:٢٠٣] وأيهما أفضل؟ التأخير أفضل؛ لأن الله أثنى على المتأخرين فقال:{وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر، والتأسي به خير، ولأن في التأخر زيادة عمل صالح كالبيتوتة ورمي الجمرات.
إذا انتهى الحج وأراد الإنسان أن يرجع إلى بلده فلا بد أن يطوف للوداع بدون سعي وبدون إحرام سبعة أشواط، ثم ينصرف فوراً إلى بلده ويكون طواف الوداع آخر شيء، وعلى هذا فمن طاف للوداع ثم خرج ورمى ومشى من منى فإن طوافه في غير محله، ويكون كالذي لم يطف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد أمر أن يكون طواف الوداع آخر شيء، ويسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له:(إن صفية قد طافت طواف الإفاضة وكانت حائضاً، قال: فلتنفر) أي: ولا وداع عليها، ولحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:(أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن الحائض) قال العلماء رحمهم الله: لو أخر طواف الإفاضة الذي يكون يوم العيد فطافه عند السفر أجزأه عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد، أي: لو دخلت المسجد وصليت الفريضة الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية أجزأتك عن تحية المسجد، كذلك طواف الإفاضة فريضة، وهو أوكد من طواف الوداع، إذا طفته عند السفر أجزأك عن طواف الوداع، ولكن ماذا تنوي؟ نقول: النية هنا لها ثلاث صور: ١- إما أن ينوي طواف الوداع وحده.
٢- أو طواف الإفاضة وحده.
٣- أو ينويهما جميعاً.
إذا نوى طواف الوداع وحده لم يجزئه عن طواف الإفاضة؛ لأنه لا يجزئ الأدنى عن الأعلى، وقد ذكرت لكم: أن طواف الإفاضة أعلى من طواف الوداع؛ بدليل: أن طواف الوداع يسقط عن الحائض وطواف الإفاضة لا يسقط.
وإذا نوى طواف الإفاضة وحده أجزأ عن طواف الوداع، وإذا نواهما جميعاً حصلا له جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) .