[حكم الاحتفال بالمولد]
فلننظر الآن هذا الاحتفال متى كان؟ وهل هو مطابق للواقع؟ وهل هو مطابق للشرع؟ حتى يتبين حكمه، ويجب على المرء أن يعمل بما يقتضيه الدليل.
أما بالنسبة للواقع فإنه لا يصح من الناحية التاريخية؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في اليوم [١٢] من ربيع الأول, بل الثابت حسب العملية الحسابية الفلكية أنه كان في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول, وليس في اليوم الثاني عشر, وحينئذٍ يبطل الاحتفال بهذا اليوم من الناحية التاريخية.
ثم نقول: إذا ثبت اليوم الذي ولد فيه، فهل لنا فائدة من ولادته قبل أن يكون رسولاً يهدي الناس إلى الحق؟ لا.
ولهذا قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} [آل عمران:١٦٤] ما قال: إذ وُلِدَ فيهم رسول! قال: {إِذْ بَعَثَ} [آل عمران:١٦٤] فالنعمة إنما هي في الحقيقة ببعث الرسول عليه الصلاة والسلام لا بولادته؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، بل قال الله له: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:٥٢] فلم يكن نبياً ولا رسولاً إلا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم, أما قبل ذلك فليس نبياً ولا رسولاً, فالاحتفال لو قدر أن هناك احتفالاً لكان ببعثته لا بمولده, ومن المعلوم أن أول ما نزل عليه القرآن نزل في شهر رمضان ليس في شهر ربيع.
من الناحية الشرعية لا يثبت هذا الاحتفال, بل هو من البدع, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, لا يثبت؛ لأن طريق ثبوت كون الأمر مشروعاً الكتاب أو السنة أو عمل الصحابة, فهل في الكتاب الأمر أو الندب للاحتفال بمولده؟ لا يوجد, هل في السنة ذلك؟ لا يوجد, غاية ما هنالك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل علي فيه) وهذا تنويه بفضل يوم الإثنين, لا بفضل الولادة, فهذا اليوم كان يوماً مباركاً حصلت فيه هذه الأمور, فكان صيامه مشروعاً.
هل ورد من عمل الصحابة أنهم يحتفلون بمولده؟
لا.
هل كان ذلك في عهد التابعين لهم بإحسان؟ الجواب: لا.
هل هو في عهد تابع التابعين؟ الجواب: لا.
فمضت القرون الثلاثة كلها لم تحتفل بهذه البدعة.
حدثت في القرن الرابع الهجري عن حسن نية أو عدم حسن نية, لكنها بدعة, شيء لم يندب الله إليه في الكتاب, ولم يفعله الرسول, ولا الخلفاء من بعده, ولا الصحابة, ولا التابعون لهم بإحسان, ولا تابعوهم, فكيف يأتي آخر هذه الأمة فيعمل به؟ ثالثاً: إذا قالوا: إن هذا قربة إلى الله لأننا لا نتجاوز أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ونذكر مناقبه وفضائله؟ فالجواب أن نقول: لو كان خيراً لسبقونا إليه, هل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه والتابعون وتابعوهم جاهلون بهذه القربة أو عالمون؟! إن قيل: إنهم جاهلون فقد رموا بالجهل وهذا قدح فيهم، وادعى هذا أنه أهدى من الرسول وأصحابه؛ لأنه وفق للحق وهم لم يوفقوا له, وإن قيل: إنهم غير جاهلين، قيل: إذاً: هم كاتمون مستكبرون لم يبينوا هذا للأمة, ولم يعملوا به؛ فهم لعدم بيانهم للأمة كاتمون للحق, ولعدم العمل به مستكبرون عن الحق, أي إنسان يجرؤ أن يقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كاتم أو مستكبر؟! لا يجرؤ أحد, هؤلاء يلزم من بدعتهم هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون جاهلاً بأنها من الحق, وإما كاتماً بيان ذلك للناس، وإما مستكبراً عن العمل بها, كل هذا باطل! لا يمكن لمؤمن أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم به, لكنه لازم البدعة.
ثم نقول: هل الدين كَمُل بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الجواب: كمل, قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] أكملت لكم دينكم! هذه البدعة التي يدعي مبتدعوها أنها من الدين تستلزم أن يكون الدين لم يكمل بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بقي عليه البدعة هذه, وهذا يلزم عليه فضيعة عظيمة, وهي تكذيب قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣] لأنه على حد فعل هؤلاء لم يكمل الدين, فيكون الدين ناقصاً حتى جاء هؤلاء وابتدعوا هذه البدعة وأكملوه بها, فإن قالوا: لا.
إن الدين كامل ونحن لم نأتِ بشيء إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مناقبه, وإحياء ذكراه, نقول: هذا غير صحيح؛ لأن المعروف من هذه الاحتفالات أن فيها الغلو العظيم الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام, وأنهم يترنمون بقول البوصيري يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أكرم الخلق! ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فما تقولون في هذا البيت؟ إذا قال: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم؛ كالخسف والعواصف والصواعق والأمراض والحروب, ما لي من ألوذ به سواك!! وهذه الجملة كما تعلمون حصر (ما لي سواك) أين الله؟! مقتضى هذا البيت أن لا إله يستغاث به, (ما لي سواك عند حلول الحادث العمم) .
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
(الدنيا) هي ما نعيش فيه (وضرتها) الآخرة, هذا من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليس كل جود إلا منه, فماذا بقي لله؟!! لا شيء, ما دام الدنيا والآخرة من جود الرسول إذاً: الله ما له سبب فيها!
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
أيضاً من علومه علم اللوح والقلم, هل الرسول يعلم ما في اللوح المحفوظ؟ لا.
وهذا تكذيب لقول الله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:٥٠] فالمسألة خطيرة, خطيرة جداً جداً, ولولا أنها استمرئت عند بعض الناس الذين يستعملونها لكانت فادحة عند كل إنسان.
ثم نقول: إذا كنتم تقولون: إن ذلك إحياء لذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم, فهل أنتم لا تذكرونه إلا في هذه الليلة؟ إن كنتم كذلك فمعناه أنه ليس لكم عمل صالح, وليس لكم أذان ولا تشهد ولا ذكر عند الوضوء ولا غيره, لأن ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في كل وقت وحين, الأذان فيه ذكر الرسول: أشهد أن محمداً رسول الله, الصلاة فيها ذكر للرسول في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, بل كل عبادة فيها ذكر الرسول, لأنه لا تصح العبادة إلا إذا كان فيها الإخلاص والمتابعة, المتابعة لابد أن تشعر أنك في عملك هذا التعبدي تابع للرسول عليه الصلاة والسلام, وإذا شعرت هذا الشعور، هل يكون هناك ذكرى أم لا؟ نعم يكون هناك ذكرى, وعلى كلامهم لا ذكرى للرسول إلا في هذه البدعة, سبحان الله! أنتم تذكرون الرسول في كل المجالات, كل عمل صالح يذكرك بالرسول.