قال تعالى:{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ}[الغاشية:١٩] أي: هذه الجبال العظيمة التي تحمل الصخور والقطع المتجاورات المتباينات، فالجبال مكونة من أحجار كثيرة وأنواع كثيرة، فيها المعادن المتنوعة وهي متجاورة، ومع ذلك تجد -مثلاً- هذا الخط في وسط الصخر يشتمل على معادن لا توجد فيما قرب منه من هذا الصخر، ويعرف هذا أهل الجيولوجيا كيف نصب الله هذه الجبال العظيمة بهذا الارتفاع لتكون رواسي في الأرض، لئلا تميد بالناس، ولولا أن الله عز وجل خلق هذه الجبال لمادت الأرض بأهلها، لأن الأرض في وسط الماء، والماء محيط بها من كل جانب، وما ظنك بكرة تجعلها في وسط الماء؟ سوف تتحرك وتضطرب وتتدحرج أحياناً وتنقلب أحياناً، لكن الله جعل هذه الجبال رواسي تمسك الأرض كما تمسك الأطناب الخيمة، وهي راسية ثابتة على ما يحصل في الأرض من الأعاصير العظيمة التي تهدم البنايات التي بناها الآدميون، لكن هذه الجبال راسية لا تتزحزح ولو جاءت الأعاصير العظيمة، بل إن من فوائدها أنها تحجب الأعاصير العظيمة البالغة التي تنطلق من البحار أو من غير البحار لئلا تعصف بالناس، وهذا شيء مشاهد؛ تجد الذين في سفوح الجبال وتحتها في الأرض في مأمن من أعاصير الرياح العظيمة التي تأتي من خلف الجبل، فيها فوائد عظيمة وهي رواسي لو أن الخلق اجتمعوا على أن يضعوا سلسلة مثل هذه السلسلة من الجبال ما استطاعوا إلى هذا سبيلاً، مهما بلغت صناعتهم وقوتهم وقدرتهم وطال أمدهم، فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه الجبال.
وقد قال بعض العلماء: إن هذه الجبال راسية في الأرض بمقدار علوها في السماء، فمثلاً: الجبل له جرثومة وجذر في داخل الأرض في عمق يساوي ارتفاعه في السماء، وليس هذا ببعيد أن يمكن الله لهذا الجبل في الأرض، حتى يكون بقدر ما هو في السماء لئلا تزعزعه الرياح، ولهذا يقول عز وجل:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل:١٥-١٦] .