فضيلة الشيخ: ما الضابط في العذر بالجهل في أمور العبادات؟ وهل كل من جهل شيئاً من أمور العبادات -وخاصة في المسائل الاجتهادية- يسقط عنه ما يترتب على تركه لهذا الأمر بسبب جهله؟
العذر بالجهل ثابت بالقرآن والسنة؛ لقول الله تبارك وتعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة:٢٨٦] فقال الله تبارك وتعالى: قد فعلت، ولقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب:٥] أي: ما تعمدت قلوبكم فعله على وجه مخالفة الشرع.
وكذلك في السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة قضايا تدل على العذر بالجهل، منها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء.
ومنها: حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، حين أصبح صائماً فكان يأكل، وكان قد وضع تحت وسادته عقالين أحدهما أبيض والثاني أسود، وجعل يأكل حتى تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، فأمسك، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بذلك بياض النهار وسواد الليل، وليس بياض الخيط الذي هو الحبل الأبيض من الأسود، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
ثم إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه:{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥] وهذا يدل على أنه إذا لم يكن ثمة رسل فإن لهم الحجة على الله، وكذلك لو كان لهم رسل ولكن لم يعلموا بذلك؛ لأنه لا فرق بين ألا يكون له رسول، وبين أن يكون له رسول لم يعلم به، وقال الله تبارك وتعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}[القصص:٥٩] والآيات في هذا المعنى عديدة.
ولهذا نقول: كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة؛ لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته.
ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً، ولهذا كان القول الراجح أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن، وكان لا يصوم رمضان ظناً منه أنه ليس بواجب، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظناً منه أن الجماع حلال، فإنه ليس عليه قضاء؛ لأنه جاهل، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها.
فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق.