[تفسير قوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى)]
ثم قال عز وجل: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:١٨] رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، (لقد رأى) وأنت -أخي المسلم القارئ للقرآن- يمر بك مثل هذا التعبير دائماً، (لقد رأى) ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤] ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:١٢] إلى آخره، كثير من الأمثلة، هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات: الأول: قسم مقدر.
والثاني: اللام.
والثالث: قد.
لأن معنى (ولقد) معناه: والله! لقد، فتكون جملة مؤكدة بالقسم، واللام، وقد، والقسم مقدر لكن دل عليه السياق.
(ورأى) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:١٨] الآية: هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد، وإلا لم تكن علامة لم تكن آية، فالآية لابد أن تكون خاصة بمدلولها، فليس كل علامة آية، بل هي التي تختص بمدلولها، فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبيرٌ عظيم، وقوله: (الكبرى) قيل: إنها مفعول ثان لرأى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:١٨] .
وقيل: إن الكبرى صفة لآياته، والمعنى: أنه رأى من آيات الله الكبيرة.
والثاني أصح وأقرب، يعني: أنه رأى من آيات الله الكبرى ما رأى، وليس ما رآه أكبر شيء، بل قد يكون هناك شيء أكبر لا نعلمه.
والحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في هذا المعراج من آيات الله الكبيرة ما لم يكن يراه من قبل، وما لا يستطيع الصبر عليه أحدٌ من البشر، نحن لو رأينا سرادقاً عظيماً لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا وجعلنا نلتفت يميناً وشمالاً، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه، بل كان على أكمل ما يكون من الاتزان، وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام؛ من الحجر عند الكعبة -والحجر من الكعبة- إلى بيت المقدس مسيرة شهر أو شهرين؟ شهرين، في لحظة؛ لأنه ركب على البراق، والبراق دابة عظيمة قوية سريعة خطوته مد بصره، وسريع جداً، وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء؛ والسماء كم بعدها عن الأرض؟ بعيدة جداً، ثم من سماءٍ إلى سماء، وهو تتلقاه الملائكة تسأله تقول لجبريل: من معك؟ يقول: محمد، هل أرسل إليه؟ يقول: نعم، ثم يسلم على بعض من في السماوات من الأنبياء ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله وبين موسى، كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام.
وهذا شيء حقيقي هو بنفسه عليه الصلاة والسلام صعد، ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش؛ لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها، وإنكار ما لا يمكن بالعقل ليس خاصاً بكفار قريش بل حتى في من ينتسب لهذه الأمة أنكروا من صفات الله ما لا تدركه عقولهم، أليس كذلك؟ أناس ينتسبون للأمة الإسلامية وهم من أهلها أنكروا شيئاً من صفات الله أثبتها الله لنفسه؛ لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل.
قريش أنكرت هذا المعراج، أرأيتم لو كان مناماً هل تنكره قريش؟ لا تنكره؛ لأن المنامات يكون فيها مثل هذا، لكنه أمر حسي حقيقي، أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعرج به في ليلة واحدة، وحصلت كل هذه الأمور التي حصلت ثم عاد إلى الأرض، وصلى الفجر في مكة عليه الصلاة والسلام.
{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} وفي هذا إشارة إلى أن آيات الله عز وجل منها الكبير ومنها ما دون ذلك، ما نقول ومنها الصغير؛ لأن الكبرى اسم تفضيل، وغلط من قال من المفسرين المتأخرين: إن الكبرى اسم فاعل بل هي اسم تفضيل؛ لأن آيات الله عز وجل إما كبيرة، وإما كبرى عظمى، فالمعراج الذي حصل لا شك أنه من الآيات الكبرى العظيمة.