الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من شهر رجب، اليوم السابع منه، عام (١٤١٣هـ) نسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً، يصادف هذا اليوم وما قبله بيومين أو ثلاثة أياماً باردة شديدة البرودة، وذلك خير للإنسان والنبات، فإن من الأمراض والميكروبات ما لا يقتله إلا البرد الشديد، كما أن منها ما لا يقتله إلا الحر الشديد، فالله عز وجل له حكمة فيما يقدره في خلقه وفيما يشرعه لهم، فكما أنه عز وجل حكيم في شرعه، فهو كذلك حكيم في قدره، ومن لطف الله سبحانه وتعالى أنه لا تعارض بين القضاء والقدر وبين الشرع، فكلما اشتد القضاء والقدر خف من الشرع ما يناسب تلك الشدة.
ومن الأمثلة على ذلك: أنه إذا اشتد البرد مع ريح تؤذي الناس فإنه يجوز للإنسان أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا لـ ابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) وهذا يدل على أن الحكمة من مشروعية الجمع إزالة المشقة عن المسلمين وإلا فإنه لا يجوز الجمع.
والمشقة في البرد إنما تكون إذا كان معه هواء وريح باردة، وأما إذا لم يكن معه هواء فإن الإنسان يتقي البرد بكثرة الملابس ولا يتأذى به، ولهذا لو سألنا سائل: هل يجوز الجمع بمجرد شدة البرد؟ لقلنا: لا يجوز إلا بشرط أن يكون مصحوباً بريح باردة تؤذي الناس، أو إذا كان مصحوباً بنزول الثلج، فإن الثلج إذا كان ينزل فإنه يؤذي بلا شك، فحينئذ يجوز الجمع، أما مجرد البرد فليس بعذر يبيح الجمع، فمن جمع بين الصلاتين لغير عذر شرعي فإنه آثم وصلاته التي جمعها إلى ما قبلها غير صحيحة، وغير معتد بها، بل عليه أن يعيدها.
وإذا كان جمع تأخير كانت صلاته الأولى في غير وقتها وهو آثم بذلك.
هذه المسألة أحببت أن أنبه عليها؛ لأن بعض الناس ذكروا لي أنهم جمعوا قبل ليلتين من أجل البرد بدون أن يكون هناك هواء يؤذي الناس وهذا لا يحل لهم.