للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا)]

قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] استثنى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتصفين بهذه الصفات الأربع: وذلك كما بينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) وشرح هذا الحديث يطول لو تكلمنا عليه الآن، لكن قد تكلمنا عليه في مواطن كثيرة، فالذين آمنوا بهذه الأصول الستة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيماناً لا شك فيه ولا تردد معه، بمعنى: أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين.

والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام: القسم الأول: مؤمن إيماناً خالصاً لا شك فيه ولا تردد.

والقسم الثاني: كافر جاحد منكر.

والقسم الثالث: متردد.

فمن الناجي من هؤلاء الأقسام الثلاثة؟ الناجي القسم الأول، الذي يؤمن إيماناً لا تردد فيه، يؤمن بالله بوجوده بأسمائه بصفاته بألوهيته وربوبيته، وغير ذلك مما هو معلوم من صفات الرب جل وعلا، ويؤمن بالملائكة وهم عالم الغيب خلقهم الله تعالى من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم، فجبريل عليه الصلاة والسلام مكلف بالوحي ينزل به من عند الله إلى الأنبياء والرسل، وميكائيل مكلف بالقطر والنبات، يعني: وكله الله على المطر وكل ما يتعلق بالمطر والنبات.

وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، ومالك موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة، ومن الملائكة من لا نعلم أسماءهم ولا نعلم أعمالهم أيضاً، لكن جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) .

كذلك: نؤمن بالكتب الذي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً؛ لأن الله لم يقص علينا جميع أنباء الرسل، قال الله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:٧٨] .

وكذلك الإيمان باليوم الآخر وهو يوم البعث، يوم يخرج الناس من قبورهم للجزاء حفاة عراة غرلاً بهماً.

فالحفاة، يعني: الذين ليس عليهم نعال ولا خفاف، أي: أن أقدامهم عارية، والعراة: الذين ليس عليهم ثياب، والغرل: الذين لم يختنوا، والبهم: الذين ليس معهم مال، يحشرون كذلك، ولما حدث النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم عراة قالت عائشة: (يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: الأمر أعظم من ذلك) أي: من أن ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأن الناس كلٌ مشغول بنفسه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر، أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دفن، وتولى أصحابه عنه، فإنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، أي: أن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار وكل ما يتعلق باليوم الآخر فإنه داخل في قولنا: أن تؤمن بالله واليوم الآخر.

القدر تقدير الله عز وجل، يعني: يجب أن تعلم بأن الله تعالى قدر كل شيء، وذلك (أن الله خلق القلم قال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بتلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) .

إذاً: الإيمان في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} يشمل الإيمان بالأصول الستة التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام.