ثم قال عز وجل:{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}[النجم:٣٢] إشارة إلى أن الصغائر تغفر، وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر، فقال جل وعلا:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً}[النساء:٣١] ، ولهذا قال:{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} .
أما إذا قلنا: اللمم القليل من الفواحش والكبائر، فيكون قوله:{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} إشارة إلى أن الكبائر إذا تاب الإنسان منها غفر الله له، وكأنها لم تكن، وإن لم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه بما تستحق هذه الكبيرة.
وهناك قومٌ من هذه الأمة يقولون: إن الكبيرة لا تغفر، وهم الخوارج والمعتزلة، فـ الخوارج والمعتزلة يقولون: إن الإنسان إذا زنى فهو من أهل النار وهو كافر، وإذا سرق كذلك، وإذا شرب الخمر كذلك، لكن قولهم باطل، والصواب: أن فاعل الكبيرة داخل تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨] .
لو قال قائل: أنت إذا قلت هذا، فتحت الباب على مصراعيه لفعل الكبائر؛ لأن أي إنسان يفعل كبيرة يقول: أنا يمكن أن يغفر الله لي، وهذا فعلاً يحتج به العوام، يقول: إذا كان الله يقول: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي: ما دون الشرك لمن يشاء، إذاً سيفعلون الكبائر ويقولون: سيغفر الله لي، فكيف تجيبه؟ نجيبه بأن الله قال:{يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} وما قال: لكل أحد، بل قال:(لمن يشاء) فهل أنت متيقن الآن أنك ممن شاء الله أن يغفر له؟ هل أحدٌ يتيقن هذا؟ لا أحد يتيقن.
إذاً: لا حجة في هذه لأهل المعاصي.
ثم إن قوله تعالى:(لمن يشاء) نعلم أن الله حكيم، لا يشاء أن يغفر للمذنب غير الشرك إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك، ومن منا يستطيع أن يقول: إن حكمة الله تقتضي أن يغفر الله لي؟! لا أحد يقول هذا، بل لو قال هذا لقلنا: إن قولك هذا من أسباب المؤاخذة والمعاقبة؛ لأنك تأليت على الله.