هل المعصية الواحدة تجعل الإنسان فاسقاً؟ وهل هناك فرق بين المعصية الظاهرة مثل حلق اللحية وغيرها؟
المعروف عند أهل العلم أن الكبيرة الواحدة تجعل الفاعل فاسقاً ما لم يتب منها، وأما الصغيرة فلا تجعله فاسقاً إلا إذا أصر وداوم عليها، فحلق اللحية -مثلاً- قد يكون بذلك فاسقاً؛ لأن إصراره على الصغيرة دليل على تهاونه بالرب عز وجل، وبأوامره أو نواهيه، وهذه كبيرة بالنسبة للقلب، ولهذا لا يبعد أن تكون الصغيرة الواحدة كبيرة إذا فعلها الإنسان استخفافاً بحكم الله عز وجل وعدم المبالاة، لا لهوىً نفسيٍ أوجب له أن يفعل ذلك، فقد تكون الصغيرة كبيرة.
قال بعض العلماء: وقد تكون الكبيرة صغيرة إذا قام بقلب الإنسان الحياء من الله عز وجل والخجل حال الفعل، ولكن نفسه الأمارة بالسوء ألجأته إلى الفعل، وهذا قد يكون فيه نظر، إنما كون الصغيرة تكون كبيرة بحسب ما قام بالقلب من التهاون بها فهذا ليس ببعيد، ولكن يبقى النظر فيما يترتب على فسقه؟ هل يترتب على ذلك أن نرد شهادته، أو أن نمنع إمامته، أو أن نمنع ولايته، وما أشبه ذلك؟ هذا محل خلاف بين العلماء، فبعض العلماء يقول: إن الإنسان إذا فسق سقطت ولايته حتى إنه لا يُزوج ابنته، ولا يكون إماماً في الجماعة، ولا تقبل شهادته، ولكن في هذا نظر؛ لأننا لو أخذنا بهذا القول لم نجد من الناس صالحاً للشهادة والولاية والإمامة إلا نادراً، وسوف أضرب لكم مثلاً بغير اللحية؛ اللحية قد يكون كثيرٌ من الناس يعفي لحيته ولا يتناولها بسوء لكن الغيبة قل من يسلم منها، وهي من كبائر الذنوب، إذا فعلها الإنسان مرة فقط ولم يتب كان بذلك فاسقاً تسقط عدالته، فلو أننا أخذنا بهذا القول بأن الفاسق لا يكون ولياً ولا إماماً ولا شاهداً ولا قاضياً فإن الأمر يكون مشكلاً جداً؛ لأنه قل أن يسلم أحدٌ من الغيبة، حتى الملتزمون إذا كانوا في مجالسهم ربما يغتابون، وقد يُسلط الملتزمون -مع الأسف- على اغتياب من غيبته أشد وأعظم، قد يُسلط هؤلاء الملتزمون على اغتياب العلماء والدعاة والأمراء والسلطان، واغتياب هؤلاء وغيرهم من ولاة الأمور ولو قلت ولايتهم -كمدير مدرسة مثلاً- أعظم من اغتياب عامة الناس، ويتضح ذلك بأننا إذا اغتبنا العلماء -مثلاً- قلّت ثقة الناس بهم، وإذا قلّت الثقة من الناس بهم؛ قل قبول الناس لما يقولون من شرع الله، وهذا خطر عظيم.
إذا اغتبنا الأمراء أو السلطان قلّت هيبة الناس لهم، وسهل التمرد عليهم وعصيانهم، وهذا إخلالٌ كبير بالأمن، ولذلك كانت غيبة ولاة الأمر من العلماء والأمراء أعظم من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة عامة الناس إن حصل فيها مفسدة فإنما تكون للشخص نفسه فقط؛ لأنه ليس قاعدة ولا قدوةً في شيء.
فالحاصل أن القول بأن الفاسق تسقط إمامته وولايته وشهادته قولٌ ضعيف، نعم.
لو فرض أن رد شهادته أو منع ولايته أو عزله عن الإمامة يحصل به فائدة له ولغيره، بحيث ينتهي عن المعصية وينزجر غيره لكان منعه من ذلك متوجهاً، ويكون هذا من باب التعزير بالعزل عن الولايات، والتعزير بالعزل عن الولايات سائغٌ شرعاً، فقد روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد وكانت من الإمام فعزل الإمام) وهذه العقوبة أصل في العزل عن الولايات والوظائف وما أشبه ذلك.