هنا نعود إلى الدرس قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالنجم إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم:١-٢](النجم) اسم جنس يراد به جميع النجوم، وقوله:(إذا هوى) له معنيان: المعنى الأول: إذا غاب، والمعنى الثاني: إذا هوى أي: إذا سقط منه شهابٌ على الشياطين التي تسترق السمع: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} هذا جواب القسم: {وَالنجم إِذَا هَوَى} المقسم به، جواب القسم يعني: المقسم عليه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}(ما ضل) : أي: ما جهل، (وما غوى) أي: ما عاند؛ لأن مخالفة الحق إما أن تكون على جهل، وإما أن تكون عن غي، قال الله تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة:٢٥٦] فإذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهل وانتفى عنه الغي تبين أن منهجه صلى الله عليه وسلم علم ورشد؛ علم: ضد الجهل الذي هو الضلال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} ، ورشد: ضد الغي: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة:٢٥٦] إذاً النبي عليه الصلاة والسلام كلامه حق، وشريعته حق؛ لأنها عن علمٍ ورشد، وقوله:(ما ضل صاحبكم) يخاطب قريشاً، جاء بهذا الوصف إشارة إلى أنهم يعرفونه، يعرفون نسبه، يعرفون صدقه، يعرفون أمانته، ليس شخصاً غريباً عنهم حتى يقولوا: لا نؤمن به؛ لأننا لا نعرفه، بل هو صاحبهم الذي نشأ فيهم، هذا أمر.
ثانياً: أنه إذا كان صاحبهم فإن مقتضى الصحبة أن يصدقوه وينصروه، لا أن يكونوا أعداءً له، ففي قوله:(صاحبكم) -إذاً- فائدتان: الفائدة الأولى: أنه صاحبهم الذي يعرفونه، ليس مجهولاً بينهم، وليس غريباً عليهم، فكيف بالأمس يصفونه بالأمين والآن يصفونه بالكاذب الخائن؟!! الفائدة الثانية: أنه مقتضى الصحبة أن يصدقوه وأن ينصروه، لا أن يكونوا ضده، يعني: هو لم يقل: ما ضل رسول الله، ولا قال: ما ضل محمد، وإنما قال:(ما ضل صاحبكم) فالفائدة من هذا هو ما ذكرنا لكم: أن مقتضى الصحبة أن يكونوا عارفين به، ومقتضى الصحبة أن يكونوا مناصرين له.