وقفت على حديث ما معناه: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أن في كتب الفقه والحديث نقرأ دائماً أحكام الاعتكاف وتفصيله، وما يشرع له وما يبطله.
إلى آخره، كيف ذلك؟
هذا الحديث الذي أشرت إليه هو من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، رأى أقواماً معتكفين في مسجد الكوفة بين بيته وبيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فجاء إلى ابن مسعود يحدثه بأنه رأى أقواماً يعتكفون في مسجد الكوفة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى) فقال له ابن مسعود: لعلهم أصابوا وأخطأت وحفظوا ونسيت، فكأن ابن مسعود رضي الله عنه رجح فعلهم على ما قاله حذيفة رضي الله عنه، ولا شك أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مخالف لعموم قوله تعالى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة:١٨٧] والمساجد عامة ليس فيها تخصيص، ولا يمكن أن يخاطب الله تعالى الأمة بهذا الحكم العام في الاعتكاف ويقول في المساجد، ثم لا يراد به إلا ثلاثة مساجد، قد يدركها من يدركها من الناس، وقد لا يدركها.
ثم على تقدير صحته إذا قدرنا أنه صحيح محفوظ، فإنه يعني: أنه لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد وليس المعنى: لا اعتكاف يصح، والذي نرى أن الاعتكاف يصح في كل مسجد، في المساجد الثلاثة وفي غيرها، ويكون ذلك في العشر الأواخر من رمضان كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما قال بعض أهل العلم: من أنه ينبغي لكل من دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف فيه، فإن هذا بدعة، لم يكن معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولو كان من الشرع لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، فهاهو يتحدث صلى الله عليه وسلم عمن بكّر إلى الجمعة، فيقول:(من اغتسل فجاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) إلى آخر الحديث، ولم يقل: ولينوِ الاعتكاف، مع أنه حث على المجيء مبكراً، ولم يقل ولينو الاعتكاف حتى تأتي الصلاة.
فالصواب أن الاعتكاف المشروع ما كان في العشر الأواخر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.