ثم قال الله تعالى مهدداً هذا الطاغية:{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}[العلق:٨] أي: المرجع، مهما طغيت وعلوت واستكبرت واستغنيت فإن مرجعك إلى الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى:{إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[الغاشية:٢٣-٢٦] .
وإذا كان المرجع إلى الله في كل الأمور فإنه لا يمكن لأحد أن يفر من قضاء الله أبداً، ولا من ثواب الله وعدله.
وقوله:(إن إلى ربك الرجعى) ربما نقول: إنه أعم من الوعيد والتهديد، أي: أنه يشمل الوعيد والتهديد لكنه ربما يشمل ما هو أعم، فيكون المعنى: إن إلى الله المرجع في كل شيء، في الأمور الشرعية التحاكم إلى أي شيء؟ إلى الكتاب والسنة:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:٥٩] والأمور الكونية المرجع فيها إلى من؟ إلى الله:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}[الأنفال:٩] فلا رجوع للعبد إلا إلى الله، كل أمور ترجع إلى الله عز وجل يفعل ما يشاء، حتى ما يحصل بين الناس من الحروب والفتن والشرور فإن الله هو الذي قدرها لكنه قدرها لحكمة، كما قال الله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة:٢٥٣] .
إذاً:{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}[العلق:٨] يكون فيها تهديد لهذا الإنسان الذي طغى حين رأى نفسه مستغنياً عن ربه، وفيها أيضاً ما هو أشمل وأعم: وهو أن المرجع إلى الله تعالى في كل الأمور.