[تفسير قوله تعالى:(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)]
ثم قال:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥](ذكر) أي: ذكر الناس بآيات الله بشرائعه بأيامه، شرائعه: ما أوجب الله على العباد، أيامه: عقابه تبارك وتعالى للمكذبين وإثابته للطائعين، لكن أطلق الله الذكر وقال:(ذكر) ولم يقل: ذكر المؤمنين، لكن بين أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون قال:{فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأن المؤمن إذا ذكر فهو كما وصفه الله عز وجل، {إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً}[الفرقان:٧٣] بل يقبلونها بكل رحابة صدر وبكل طمأنينة، وفي الآية دليل على وجوب التذكير على كل حال، وفيها أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون، وأن من لا ينتفع بالذكرى فهو ليس بمؤمن، إما فاقد الإيمان وإما ناقص الإيمان، وهنا فتش عن نفسك إذا ذُكِّرْتَ بآيات الله وخُوِّفْتَ من الله عز وجل هل أنت تتذكر أو يبقى قلبك كما هو قاسياً؟ إن كانت الأولى فاحمد الله فإنك من المؤمنين، وإن كانت الثانية فحاسب نفسك ولا تلومن إلا نفسك، عليك أن ترجع إلى الله عز وجل حتى تنتفع بالذكرى.
وفي الآية دليل على أنه كلما كان الإيمان أقوى كان الانتفاع بالذكرى أعظم وأشد، وذلك من قاعدة معروفة عند العلماء وهي: أن الحكم إذا علق بوصف ازداد بزيادته ونقص بنقصانه.
أما قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] * {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}[الذاريات:٥٧] * {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٨] فقد سبق الكلام عليها في اللقاء السابق.