فضيلة الشيخ: نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن حزم أنه قال: صح حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أنس:(رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم) وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً انتهى.
وذكر الحافظ -أيضاً- حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمها إبقاءً على أصحابه) وهذا أيضاً ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى وقال: إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر، فكيف نوفق بين هذه الأدلة وبين ما ذهبتم إليه -حفظكم الله- من إفطار الصائم بالحجامة؟
نرد على هذا بما رد به الإمام أحمد: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) وحديث أنس بن مالك الذي أشرت إليه فيه ضعف هذا أمر.
الأمر الثاني: إن قولنا بالإفطار هو من مصلحة الصائم في الواقع؛ لأن من المعروف أن الإنسان إذا سحب منه الدم فسوف يلحقه هبوط ومشقة وتعب، فإذا قلنا: إنه يفطر بالحجامة، معناه أنك لا تحتجم إلا للضرورة، فإذا كنت صائماً صيام فرض واحتجمت للضرورة فكل واشرب واقض ذلك اليوم، والآخرون يقولون: إذا احتجمت للضرورة فلابد أن تبقى على صومك ولو كنت في غاية ما يكون من الضعف.
فصار القول بأنه يفطر هو الأيسر الذي تقتضيه مصلحة الصائم وتدل عليه الأدلة الشرعية؛ لأننا نقول: إن كنت لا تحتاج إلى الحجامة فلا تحتجم إلا في الليل، وإن كنت تحتاج إليها ولابد -كما لو هاج عليك الدم- فنقول: احتجم، ونرخص له أن يأكل ويشرب حتى يستعيد قوته؛ فتبين بهذا أن القول بأنها تفطر هو القول الموافق للحكمة، وقد حقق شيخ الإسلام رحمه الله ذلك في رسالة له صغيرة تسمى: حقيقة الصيام، ومن أحب أن يتسع له الجواب فليرجع إليها فإنها مفيدة.
والتبرع بالدم مثل الحجامة؛ لأنه كثير، فيحصل به من الضعف ما يحصل بالحجامة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتبرع بالدم وهو صائم صيام الفرض إلا للضرورة، فإذا كانت ضرورة تبرع بدمه وأفطر ذلك اليوم.