قال تعالى:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}[الفجر:٢٣] فقال: (جيء يومئذ) ولم يذكر (الجائي) ؛ لكن قد دلت السنة أنه يؤتى بالنار، تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام منها يقوده سبعون ألف مَلَك، وما أدراك ما قوة الملائكة! قوة ليست كقوة البشر، ولا كقوة الجن، بل هي أعظم وأعظم بكثير، ولهذا لما قال عفريت من الجن لسليمان:{أَنَا آتِيكَ بِهِ}[النمل:٣٩] أي: بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النمل:٣٩-٤٠] بعد ذلك رآه مستقراً عنده، قال العلماء: لأن هذا الرجل دعا الله فحَمَلَتْه الملائكة، فجاءت به إلى سليمان في الشام من اليمن.
فقوة الملائكة عظيمة، وهذه النار يجرها سبعون ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك.
إذاً: هي عظيمة نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يجيرنا وإياكم منها.
فهذه النار {إِذَا رَأَتْهُم}[الفرقان:١٢] أي: إذا رأت أهلها {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}[الفرقان:١٢] وزفيرها ليس كزفير الطائرات، أو المعدات، بل هو زفير تنخلع منه القلوب والعياذ بالله.
وقال الله عزَّ وجلَّ:{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}[الملك:٨] تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها والعياذ بالله، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها.
فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار: ١- مجيء الرب جلَّ جلالُه.
٢- صفوف الملائكة.
٣- الإتيان بجهنم.
قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:٢٣] يتذكر ويتعظ؛ لكن أنَّى له الاتعاظ، فقد فات الأوان، وانقطع الاتعاظ بحضور الأجل في الدنيا قبل أن يصل الإنسان إلى الآخرة، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء:١٨] .
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعظين بآياته، ونسأله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.