هناك يا شيخ بعض الحريصين على الدعوة ولكنه يجد حرجاً من ناحية إنكار المنكر، خصوصاً الأقارب أو بعض الفسقة من المسلمين، أي: من ناحية أنه يقول: هل يجب عليّ إنكار المنكر كلما رأيت هذا الشخص الذي يقع في المنكر مثل أن تكون في مجلس وعامتهم من الحداثيين والمسبلين، فهل يلزم أن ينكر المنكر هذا، ولو أنكر يقول: إنه يحصل بيني وبينهم بعض الوحشة، وأنا أريد فسح قلوبهم وأؤجل الإنكار إلى وقت، فهل هذا صائغ أم يجب عليه أن ينكر المنكر؟ الشيخ: أقول إن الله تعالى رسم لنا الطريق، فقال:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥] .
فهل من الحكمة أنك كلما رأيت إنساناً على معصية تنصحه -مثلاً- حلق اللحية، شرب الدخان، ربما لا تجده على شرب الدخان، لكن إذا رآك لن يشرب، لكن حلق اللحية تعرف هذا الرجل حلق لحيته، نصحته أول مرة، ثم مضى شهر أو شهران ووجدته حالق اللحية، وبعد شهر أو شهرين يمكن أكرر، هل كلما رأيته أنصحه؟ هذا ليس من الحكمة؛ لأنه سوف يمل ويتعب، فأنت حين ترى أن للموعظة مكاناً عظه، ولهذا يجب أن نتذكر دائماً قول الله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى:٩] .
فهذا الشرط لا بد من اعتباره، أحياناً الذكرى لا تنفع بل تضر، والمقصود إصلاح الخلق لا إطفاء الغيرة، الإنسان في قلبه غيرة، ويكره كل معصية، لكن هل المقصود أنك تطفئ غيرتك بالإنكار أو تصلح غيرك بالإنكار؟
الثاني ولهذا نجد الطب الحسي، تجد -مثلاً- الطبيب يباشر هذا المريض المنتن الريح، الكريه المنظر، لكن من أجل المصلحة، تجد أنه يشق شرح الخبيث من أجل المصلحة، فأنت انظر إلى المصلحة، فنحن لا نستطيع أن نحدد؛ لأن الناس يختلفون، لكن إذا كانت المصلحة في الدعوة والإنكار فافعل، وإلا فاسكت إلى وقت آخر، ولهذا أول ما أمر الرسول بالإنذار قال الله له:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:٢١٤] ثم بدأت الدعوة تتوسع حتى انتهت بعد أن هاجر الرسول إلى قتال الأعداء.