يا شيخ: أحسن الله إليك! روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل: (أشد الناس بلاءً الأنبياء فالأمثل والأمثل) فما المقصود بالأمثل الأخير؟
(أشد الناس بلاءً الأنبياء) لأن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بالنبوة، وابتلاهم بالدعوة إلى الله، وابتلاهم بقوم ينكرون ويصفونهم بصفات القدح والذم كما قال تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}[الذاريات:٥٢] ولكن هذا الابتلاء هو في الواقع؛ لأن كل ما أصابهم من جرائها فهو رفعة في درجاتهم.
(ثم الأمثل فالأمثل) يعني: الأصلح فالأصلح، كلما كان الإنسان أصلح، وكلما كان أقوى دعوة إلى الله، وكلما كان أشد تمسكاً في دين الله، كان له أعداء أكثر، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ}[الفرقان:٣١] وعداوة المجرمين للأنبياء ليس لأشخاصهم بل لما جاءوا به من الحق، وعلى هذا فيكون كل من تسمك بما جاءوا به من الحق ناله من العداوة من المجرمين مثلما ينال الأنبياء أو أقل بحسب الحال، والله عز وجل حكيم يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم، فابتلاؤه بالنعم ليبلونا أنشكر أم نكفر، وبالنقم ليبلونا أنكفر أم نصبر، هذا هو معنى الحديث.
وهذا في الحقيقة تسلية للمؤمن الداعي إلى الله إذا ناله ما ناله من الناس فإنما ذلك في سبيل الله، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدميت إصبعه قال:
هل أنت إلا إصبعٌ دميتي وفي سبيل الله ما لقيتي
فأنت اعلم أن كل ما أصابك من استهزاء أو سخرية من المجرمين بسبب ما قمت به من الدعوة إلى الله، أو التمسك بدين الله، فاعلم أن لك أجراً في ذلك؛ لأنه في سبيل الله.