[حكم التعامل في البيع والشراء بطريقة التورق]
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، توفي رجل وهو يتعامل بالدين على النحو التالي: يأتي المستدين فيطلب منه مبلغاً معيناً فيذهب إلى صاحب الدكان فيشتري الدائن عدداً من أكياس الأرز أو السكر أو القهوة أو نحوها بالمبلغ المتفق عليه بين الدائن والمستدين، ثم يبيعها الدائن على المستدين بمبلغ مؤجل زائد عن قيمتها الحاضرة، ثم يشتريها صاحب الدكان من المستدين بخسارة معينة، فيسلمه المبلغ، ويتم ذلك والبضاعة في أماكنها دون نقلها، وقد نصحه أولاده أكثر من مرة، فيجيب بأن الناس يتعاملون بهذه الطريق منذ أن عرفنا أنفسنا ولم ينكر عليهم أحد من العلماء، حتى فضيلة الشيخ: عبد الرحمن السعدي يرحمه الله يرى ويسمع بهذه الطريقة ولم ينكرها، وبعد إلحاح شديد من أولاده هذا الرجل تخلى عن هذه المداينة، واتجه إلى المداينة بالسيارات حيث يقوم بشراء مجموعة من السيارات فيتركها في معرض سيارات، فيشتري المستدين السيارة بثمن مؤجل، وفعلاً يستلم السيارة ويخرج بها من المعرض، السؤال: هل الطريقة الأولى جائزة وهل الطريقة الثانية جائزة؟ وإذا كانت إحدى الطريقتين أو كلاهما غير جائزة فما هي الطريقة التي تبرئ ذمة المتوفى؟ وهل ترك الطريقة الأولى تعتبر توبة من المتوفى -والتوبة تجب ما قبلها- أم يلزم الورثة التخلص مما زاد عن رأس المال؟ وهل تعاد الأرباح إلى أصحابها أم ماذا يفعل بها؟ وإذا كانت أموالاً ربوية تداخلت مع الأموال الأخرى حيث إنه يتعامل بتمور ومساهمات في الشركات فما هو الحل لمثل ذلك؟
أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأقول: ليس من المشروع أن يسلم الإنسان عند إلقاء السؤال وهو حاضر في المجلس إنما السلام من القادم، يقدم على أناس أو يلاقي أناساً يسلم عليهم، أما في المجلس فقد كان الصحابة يقوم الواحد منهم ويسأل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون أن يسلم.
وأما هذا السؤال الطويل العريض فخلاصته: أن هذا الرجل كان يتعامل بالمداينة وكان له طريقان: الطريق الأول: أن يأتي المحتاج إلى هذا الرجل ويذهب إلى شخص عنده أكياس كثيرة من الأرز أو غيره أو خام أو غيره من الأشياء التي كانوا يعتادونها، فيشتري هذا التاجر من صاحب الدكان هذه البضاعة ولتكن بعشرة آلاف ريال، ثم يعدها: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، ويقول: هذا هو القبص، ثم يبيعها على هذا المحتاج باثني عشر ألفاً أو بثلاثة عشر ألفاً حسب طول مدة التأجيل وحسب حال المحتاج، إن كان فقيراً صارت الضريبة عليه أكثر، وإن كان ليس بفقير صارت بأقل، أقول: إن هذه الطريقة محرمة ولا إشكال فيها؛ لأنها: أولاً: تضمنت الحيلة على الربا.
وثانياً: بيعت السلع وهي في مكانها، وليس العد قبضاً إطلاقاً! أين القبض؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
أما الطريقة الثانية: وهي أن عنده سيارات إذا احتاج أحد من الناس جاء يأخذ سيارة منه ثم يشتريها ويبيع على غيره، فهذه مسألة تسمى مسألة التورق والعلماء فيها مختلفون للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فيها روايتان: رواية بالجواز ورواية بالمنع، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رواية المنع، وقال: إن هذا حرام وأنه حيلة؛ لأن المشتري ليس له غرض بالسيارة، غرضه بالفلوس التي يبيعها بها، فهي حيلة والحيل لا تجعل الحرام حلالاً بل تزيده قبحاً إلى قبحه.
أما هذا الربا الذي اكتسبه بهذه الطريقة الأولى والثانية فهو حرام لا شك، ولكن حسب ما قال السائل: إن الناس كانوا يفعلون هذا ولا ينكر عليهم، وقال: إن ممن لم ينكر عليهم الشيخ: عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله فيكون هذا الرجل فعله متأولاً ظاناً أنه جائز بناءً على إقرار هؤلاء العلماء، وإذا علم الله من نيته أنه فعل ذلك متأولاً فلا حرج عليه، ولا إثم عليه، ولكن أقول لكم: إن الطريقة التي كانت في وقت الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ليست كالطريقة المذكورة في هذا السؤال.
الطريقة أن الإنسان يستدين له طاقة أو طاقتين أو ثلاث من الخام أو غيره ثم يأخذها المدين ويُحرَّج عليها في السوق: من يشتري هذا؟ من يشتري هذا؟ فلا تباع السلع في مكانها، وليس هناك حيل على أموال كثيرة يأخذها أناس بلا حاجة، يأتي فقير محتاج إلى عشر ريالات خمسة عشرة ريالاً ويشتري هذه الطاقة من التاجر، ثم يأخذها ويعطيها الدلال يحرج عليها يقول: من يشتري هذه؟ أنا أسمعهم لما كنت صغيراً يقولون: من يشتري مال المتدين.
ومثل هذا هي مسألة التورق التي اختلف فيها العلماء، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي يرى جواز التورق، ولكن ليس كبيع الناس الذي ذُكر في السؤال، وعلى كل حال: الورثة ليس عليهم شيء إن شاء الله، وعليهم أن يكثروا من الاستغفار لميتهم، ويدعوا الله أن يتوب عليه، والمال الذي بأيديهم هو لهم.