ثم قال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[المجادلة:٥](الذين يحادون الله ورسوله) أي: يخالفون الله ورسوله فيفعلون ما نهى الله عنه ورسوله أو يتركون ما أمر الله به ورسوله، أو يجمعون بين هذا وهذا، وسميت المخالفة محادة لأن هذا المخالف كان في جهة وكانت الشريعة في جهة، وبينهما حد، وتسمى مشاقة أيضاً، كما قال عز وجل:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:٤] قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[المجادلة:٥](كبتوا) بمعنى: أذلوا وأهينوا كما جاء في آخر السورة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ}[المجادلة:٢٠] وما من إنسان يحاد الله ورسوله إلا أذله الله عز وجل، ويكون إذلاله بقدر ما حصل منه من المحادة، جزاءً وفاقاً، ثم هذا الذل هل يكون في الدنيا أم في الآخرة أم فيهما؟
قد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط، وقد يكون فيهما جميعاً، المهم أن غايتهم هو الذل.
جزاء ما تعالوا عن الحق واستكبروا عنه، أذلوا، (كما كبت الذين من قبلهم) أي: ممن حاد الله ورسوله من الأمم السابقة ماذا حصل لهم؟ حصل لهم الإهانة والخزي -والعياذ بالله- وصارت أخبارهم تقرأ في كتاب الله عز وجل، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بقراءة أخبارهم، ويقرءونها في صلاتهم.
{وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}[المجادلة:٥] يعني: أن هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله قد حادوا الله ورسوله عن علم، لأن الله أنزل آيات بينات، أي: علامات على صدق الرسل وصحة رسالتهم (بينات) ظاهرات لا تخفى على أحد، ومع ذلك يحادون الله ورسوله.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}[المجادلة:٥] أي: لكل كافر، وهنا قد يقول قائل: لماذا لم يكن سياق الآية: ولهم عذاب مهين؟ لأنه قال:{كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}[المجادلة:٥] فأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله كفار، وليعم هؤلاء وغيرهم وإن كان كل من كفر فهو محاد لله ورسوله، لكن ذكر الوصف أبلغ.