[تفسير قوله تعالى: (سبح لله ما في السماوات والأرض)]
قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:١] معنى (سبح) أي: تنزه الله عز وجل عن كل عيب ونقص وعن مماثلة المخلوقين, دليل تنزهه عن كل عيب ونقص: قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:٣٨] (اللغوب) التعب والإعياء, وهذا يدل على كمال قوته عز وجل, وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٨٠] ، وقال تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:٧٤] فنزه الله نفسه عن الغفلة, وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:٤٤] فنزه نفسه عن العجز.
المهم أن التسبيح يعني: تنزيه الله من كل نقص وعيب وعن مماثلة المخلوقين, دليل ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] .
أثبت الله لنفسه وجهاً في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧] فنسأل: هل وجه الله كوجه المخلوق؟ لا.
لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] .
أثبت لنفسه أنه استوى على العرش, والإنسان يستوي على البعير بأن يركب ويستقر ويعلو عليه, فهل استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على البعير؟ لا يمكن: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] .
إذاً: كل صفة يثبتها الله لنفسه وللمخلوق مثلها فإن ذلك موافقة في الاسم فقط, أما في الحقيقة فليس كمثله شيء, أثبت الله لنفسه علماً وأثبت للمخلوق علماً, قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:١٠] فأثبت لنا علماً, وأثبت لنفسه علماً: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:١٨٧] فهل العلم الذي أثبته لنفسه كعلم المخلوق؟ لا.
والدليل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] .
إذاً: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (سبح) بمعنى نزه، والتنزيه عن شيئين: عن النقص, وعن مماثلة المخلوقين, لا يمكن أن يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته ولا في صفاته, ولهذا لا يمكننا أن ندرك الله عز وجل, نعلمه بآياته وصفاته وأفعاله لكننا لا ندرك حقيقته عز وجل, لأنك مهما قدرت من شيء فالله تعالى مخالف له غير مماثل.
قوله: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:١] أي: كل ما في السماوات والأرض فإنه يسبح الله عز وجل وينزهه, يشمل الآدميين والجن والملائكة والحشرات والحيوانات وكل شيء, فكل ما في السماوات والأرض يسبح الله.
وهل يسبحه بلسان مقال؟ بأن يقول: سبحان الله! أم بلسان الحال بمعنى: أن تنظيم السماوات والأرض والمخلوقات على ما هي عليه يدل على كمال الله عز وجل وتنزهه عن كل نقص؟
إنه يسبح الله بلسان الحال وبلسان المقال, إلا الكافر فإنه يسبح الله بلسان الحال لا بلسان المقال, لأن الكافر يصف الله بكل نقص، يقول: اتخذ الله ولداً, ويقول: إن معه إلهاً, وربما ينكر الخالق أصلاً! لكن حاله وخلقته وتصرفه تسبيح لله عز وجل.
إذاً: لو سألنا: هل تسبيح ما في السماوات والأرض بلسان الحال أم بلسان المقال؟ الجواب: بلسان حال ولسان مقال, إلا الكافر فإنه بلسان الحال لا بلسان المقال.
سؤال: هل الحشرات والحيوانات تسبح الله بلسان المقال؟ الجواب: نعم.
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:٤٤] الذر يسبح الله بلسان المقال, الحشرات كلها تسبح الله بلسان المقال, الحصى يسبح الله, كما كان ذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن الكافر لا يسبح الله بلسان المقال بل بالعكس.