ثم قال تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}[المطففين:٣٤](اليوم) يعني: يوم القيامة، الذين آمنوا يضحكون من الكفار، (فالذين) مبتدأ و (يضحكون) خبره و (من الكفار) متعلق بـ (يضحكون) والمعنى: فالذين آمنوا يضحكون اليوم من الكفار، وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك المجرمين من المؤمنين في الدنيا فسيعقبه البكاء والحزن والويل والثبور.
{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}[المطففين:٣٥] أي: أن المؤمنين على الأرائك في الجنة، و (الأرائك) : هي السرر الفخمة الحسنة النظرة (ينظرون) أي: ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب، وينظرون أولئك الذين يسخرون منهم في الدنيا، كما قال الله تعالى:{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ}[الصافات:٥١-٥٤] يقول لأصحابه في الجنة ويعرض عليهم أن يطلع كل إلى قرينه الذي كان في الدنيا ينكر البعث ويكذب به {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}[الصافات:٥٥] في قعره وأصله، قال له:{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات:٥٦-٥٧] .
فأنت ترى الآن أن المؤمنين يرون الكفار وهم يعذبون في قعر النار، والمؤمنون في الجنة، قال:{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}[المطففين:٣٥] إذاً ينظرون شيئين: الشيء الأول: ما أعد الله لهم من النعيم، ومنه النظر إلى وجه الله عز وجل.
والثاني: ينظرون إلى هؤلاء المكذبين الذين كانوا في الدنيا يسخرون منهم ويستهزئون بهم، ينظرون إليهم وهم في عذاب الله.
ثم قال تعالى:{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المطففين:٣٦](ثوب) أي: جوزي، و (هل) هنا للتقرير، أي: أن الله تعالى قد ثوب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، وهو سبحانه وتعالى حكمٌ عدل، فحكمه دائرٌ بين العدل والفضل؛ بالنسبة للذين آمنوا حكمه وجزاؤه فضل، وبالنسبة للكافرين حكمه وجزاؤه عدل، فالحمد لله رب العالمين.
وبهذا يتم الكلام الذي يسره الله عز وجل على سورة المطففين، نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم به، وأن يجعلنا من المتعظين الواعظين إنه جواد كريم.