[التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله عز وجل من المصائب]
يقول الحق سبحانه وتعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى:٣٠] فكثير من المصائب تحدث للإنسان ويصبح في حيرة هل هذا من نفسه بتقصير في أخذه بالأسباب، أو أن شيئاً مقدراً من الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يختار إلا الخير، فكيف يمكن التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله سبحانه وتعالى؟
أولاً: لي ملاحظة على كلمة: الحق، نحن نؤمن بأن الله تعالى هو الحق المبين وأنه سبحانه وتعالى من أسمائه الحق، لكن كوننا نقول: يقول الحق، قال الحق، وما أشبه ذلك دائماً مع أن استعمالها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة يقولون: قال الله، وكلمة (الله) تعطي معنىً غير الحق، تعطي أنه وحده الإله وما سواه باطل، وهو الإله الحق، لذلك ينبغي لنا أن نقول: قول الله تعالى، أو قال الله تعالى، أو ما أشبه ذلك، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:(أتدرون ماذا قال ربكم) ويقول: (قال الله تعالى) وما أشبه ذلك، هذا الأمر الأول، وما سمعته في اطلاعاتي على كلام السابقين أنهم يعبرون عن الله بالحق فيقولون: قال الحق إلا في المتأخرين هم الذين يكثرون من قولها، وكذلك يكثرون كلمة المصطفى يعنون به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه مصطفى وأنه أصلاً مصطفى، لكن كوننا نقول: رسول الله، أو قال النبي، أو قال الرسول أفضل؛ لأن هذا هو المستعمل في عرف السلف وكلامهم.
أما السؤال عن الآية:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:٣٠] فهذا كقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:٤١] فالمصائب بأسباب الأعمال، لكن المصيبة قد تكون خاصة وقد تكون عامة، والسبب قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال:٢٥] الإنسان قد يشعر بأنه ليس عليه خطيئة لأنه قليل الخطايا، ولأنه إذا أخطأ استغفر، فيقول: من أين أتت هذه المصيبة؟ نقول: هناك شركاء لك قد تكون أعمالهم سبباً لإصابتك: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال:٢٥] .
ثانياً: كونك ترى نفسك أنك لست مخطئاً هذه سبب المصيبة؛ لأن الإنسان إذا اعتقد هذه العقيدة صار معجباً بنفسه مدلاً على ربه يقول: يا رب! أنا ما فعلت ما يوجب المصيبة أو العقوبة، واعتقاد الإنسان أنه معصوم هو محل الخطأ، يعني: من ادعى العصمة فهو الزال الذي لم يعصم، لأن الإنسان يجب أن يعرف نفسه فأينا لم يخطئ، قد يقول قائل: أليست المصائب تصيب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: بلى تصيب النبي صلى الله عليه وسلم لكن المصائب بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لزيادة علو مرتبته؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه قد نال من كل وصف جميل أعلاه، وأقول: من كل وصف جميل يتصف بالمخلوق أعلاه، الصبر يحتاج إلى شيء يصبر عليه، فلهذا أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالأذى في دعوته أليس كذلك أصيب بدعوته؟ مداخلة: نعم.
الشيخ: كيف أصيب؟ ردوا دعوته، وكذبوه وقالوا: ساحر، كذاب، شاعر، مجنون، ألقوا عليه السلى وهو ساجد عند الكعبة، هذه أذية عظيمة فصبر، أيضاً الأمراض التي تصيبه أكثر مما يصيبنا مرتين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم) بل عند مفارقته الدنيا في حال احتضاره عليه الصلاة والسلام أصابه من شدة الموت ما لم يصب غيره عليه الصلاة والسلام لماذا؟ حتى ينال أعلى مرتبة في الصبر على أقدار الله وعلى شرائع الله.
فصار الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من المصائب التي نعتقد أنها أصابته من أجل أن تكمل درجة الصبر في حقه حتى يكون صابراً شاكراً، فقد -والله نال- أعلى درجة الشاكرين حتى إنه يقوم في الليل حتى تتورم قدماه ويتفطر ساقه، وقيل له في ذلك، قال:(أفلا أكون عبداً شكوراً) فنال أعلى درجة الصبر، وأعلى درجة الشكر صلوات الله وسلامه عليه.