[تفسير قوله تعالى:(ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة)]
قال تعالى:{ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[المجادلة:٧](ينبئهم) أي: يخبرهم بما عملوا، ويقربهم به، إن كان مؤمناً -جعلني الله وإياكم منهم- فإن الله يخلو به وحده، ويقرره في ذنوبه، ويقول:(عملت كذا وعملت كذا وعملت كذا، فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) اللهم لك الحمد، وما أكثر الذنوب التي سترها الله علينا، ما أكثر الذنوب التي عملناها وسترها الله، ولو شاء الله لكشفها وبينها وأظهرها على فلتات اللسان وصفحات الوجوه، كان بنو إسرائيل إذا أذنب الإنسان منهم ذنباً في البيت أصبح الذنب مكتوب على بابه، فضيحة وعار، وهذه الأمة -والحمد لله- شملها الله بالستر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قالوا: من؟ قال: المجاهر الذي يعمل الذنب سراً ثم يصبح يتحدث به على الناس) سماه مجاهراً وإن كان فعلها خفية؛ لأنه كشفه هو بنفسه، من الناس من يفعل هذا -والعياذ بالله- تبجحاً، خصوصاً الذين يسافرون في أيام الإجازات ويزنون هناك ويلوطون ويشربون الخمر يأتون إلى أصحابهم ويقولون: والله السفر أنس وفرح، فعلوا كذا، زنى بامرأة أو أكثر أو أقل، تلوطوا بكذا وكذا من الغلمان، شربوا من الخمر كذا وكذا، هؤلاء مجاهرون والعياذ بالله، نسأل الله العافية.
فالله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه، ثم يقول:(سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) أما الكافر فإنه لا يحاسب هذه المحاسبة ولا ينظر الله إليه، لكن تحصى أعمالهم وتكشف وينادى على رءوس الأشهاد:{هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:١٨] ولهذا لم يقل عز وجل: ثم يعاقبهم بما عملوا، قال:(ينبئهم) والإنباء قد يكون معه عقوبة وقد لا يكون.