هناك شخص مؤذن في أحد المساجد، وعنده أولاد بالغين مكلفين، فيأتون إلى الصلاة متأخرين بعد أن تنتهي ويسلم الإمام، وذلك في أغلب الأوقات، فناقَشَ الإمامُ المؤذن في هذه الموضوع، فقال المؤذن: إن لهم أجر الجماعة حتى وإن لم يدركوا الجماعة الأولى وصلوا مع الجماعة الثانية، أهم شيء أن يأتوا ليصلوا في المسجد، يعني: لا تفوتهم السبع والعشرين درجة، وهذا المؤذن كفيف، فحاول الإمام أن يقنع هذا المؤذن أنه لا بد أن يأمرهم بالصلاة جماعة؛ لأنه بصفته مؤذناً فهو قدوة، حيث أن الإمام شاهد أن أغلب المصلين يتأخرون عن الصلاة بحجة أنهم شاهدوا أولاد المؤذن يتأخرون وهم كبار، فهذا الإمام لم يرَ بعد النصيحة نتيجة، فهل ينبغي أن يُبدي شيئاً من الجفاء سواءً للأب أو للأولاد؟ أو أنه يأخذهم بطريقةٍ ترونها أنتم جزاكم الله خيراً.
الجواب على هذا السؤال من شقين: الشق الأول: أنه لا يجوز أن نقتدي بمن فرط في الواجب؛ فتترك الواجب لأن فلاناً لا يقوم به، فأنت مسئول عن نفسك:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعام:١١٦] فلا يجوز للإنسان أن يقول: لستُ بِمُصَلٍّ مع الجماعة؛ لأن أولاد المؤذن لا يصلون! وليس ذلك حُجَّةً عند الله عز وجل، كما لا يجوز للإنسان أن يفعل المحرم ويقول: فلان يفعله، حتى لو كان طالبُ علمٍ يفعلُ هذا المحرم، فلا يجوز للإنسان أن يفعله لأن هذا يفعله، بل أنت مسئول عن نفسك، ومسئول عما أجبت به المرسلين:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٦٥] .
والشق الثاني: بالنسبة للمؤذن، الواجب عليه أن يأمر أولاده بالصلاة، وأن يضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، حتى يؤدوا الصلاة مع الجماعة، ولا حرج عليه في هذه الحال أنه إذا أذَّن خرج وأيقظهم وأحضرهم إلى المسجد؛ لأن الخروج هنا لعذر، وأنه سيرجع ويصلي في المسجد.
وأما بالنسبة للإمام فأولاً: لا ينبغي أن يناقش المؤذن أمام الناس؛ لكن يناقشه سراً فيما بينه وبينه، فإذا ادَّعى المؤذن أنه لا يستطيع إحضارهم إلى المسجد فهناك جهات مسئولة يمكن أن تحضرهم، كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحضرهم إلزاماً؛ لأن هؤلاء ممن تلزمهم صلاة الجماعة.
وأما قول المؤذن: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة فهذا ليس بصحيح، فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة:(من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام أحد القوم فصلى معه.
ولأنه عليه الصلاة والسلام قال:(صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة.