ثم قال:{لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}[الحديد:٢٣] أي: أخبرناكم بهذا أن كل مصيبة تقع فهي في كتاب {لِكَيْلا تَأْسَوْا}[الحديد:٢٣](اللام) هنا للتعليل، و (كي) بمعنى أن، أي: لئلا تأسوا، ومعنى تأسوا: تندموا على ما فاتكم مما تحبون.
{وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد:٢٣] أي: لا تفرحوا فرح بطر واستغناء عن الله بما آتاكم من فضله.
إذا علمت أن الشيء مكتوب من قبل فهل تندم على ما فات لأنه مكتوب والمكتوب لا بد أن يقع؟ هل تفرح فرح بطر واستغناء إذا آتاك الله الفضل؟ لا، لأنه من الله مكتوب من قبل فكن متوسطاً، لا تندم على ما مضى، ولا تفرح فرح بطرٍ واستغناء فيما أتاك الله من فضله؛ لأنه من الله، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) القوي في إيمانه، وليس القوي في بدنه، أصحاب الرياضة يجعلون هذا عنواناً (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ويقولون: المراد المؤمن القوي في بدنه وهذا غلط، القوي هنا وصف يعود على ما سبقه وهو الإيمان، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) هذا يسميه البلاغيون احتراس بمعنى أنه قد يظن الظان أن الضعيف لا خير فيه، فقال:(وفي كلٍّ خير) ، ثم قال:(احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) والإنسان إذا علم أن كل شيء مقدر ولا بد أن يقع رضي بما وقع، وعلم أنه لا يمكن رفع ما وقع أبداً، ولهذا يقال: دوام الحال من المحال، وتغيير الحال بمعنى رفع الشيء بعد وقوعه من المحال.
نعود إلى الآية {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[الحديد:٢٣] مختال في فعله، فخور في قوله، ومن الاختيال في الفعل أن يجر ثوبه، أو مشلحه، أو عباءته، أو غير ذلك مما يدل على الخيلاء، حتى وإن لبس ثوباً وإن لم يكن نازلاً لكنه يعد خيلاء.
الفخور والمعجب بنفسه هو الذي يقول: فعلت وفعلت وفعلت، يفخر به على الناس، لأنك ما دمت فاعلاً للشيء تريد ثواب الله، ما حاجة أن تفخر به على الناس! بل اشكر الله عليه وحدث به على أنه من نعمة الله عليك.