للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن التشهير وبيان خطره]

ولا يجوز إطلاقاً أن نشهر به، لاسيما إن كان من العلماء أو كان من الأمراء؛ لأنك إذا شهرت بخطأ عالم من العلماء فأنت في الحقيقة أسأت إليه شخصياً كما تسيء إلى سائر الناس، ولكنك أضفت إلى هذه الإساءة إساءة إلى العلم الذي يحمله والشريعة التي يتكلم بها، فإن العلماء إذا سقطوا من أعين الناس، لم يبق لقولهم ميزان ولم يثق الناس بقولهم، وحينئذٍ يذهب جزء من الشريعة على يد هذا العالم الذي أخطأ مرةً واحدة، ولا أحد معصوم من الخطأ فتضيع بالتشهير به مصالح كثيرة، وهذه جناية عظيمة ليس على الشخص نفسه بل على الشخص وما يحمله من شريعة الله عز وجل كما هو معلوم، وإذا كان هذا مع الأمير وشهرت به فأنت أسأت إليه شخصياً كما تسيء إلى سائر الناس، وأسأت إلى الأمن مرة أخرى، وذلك لأن حُفّاظ الأمن هم الأمراء ومن جُعل لهم سلطة العقوبة والتنفيذ، فإذا شهرت بهم قَلَّت هيبتهم في نفوس الناس، وصاروا كعامة الناس لا أحد يهتم بهم، لا بأوامرهم ولا بنواهيهم، وحينئذٍ يختل الأمن ويحصل التمرد، فكان التشهير بالعلماء يستلزم التمرد على الشريعة التي يحملها هذا العالم ويتكلم بها، والتشهير بالأمراء يستلزم التمرد عليهم وانقضاض البنية التي يبنى عليها المجتمع من الأمن وانفلات الأمر، وهذه جناية عظيمة كبيرة، ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] .

فمن هم أولو الأمر؟ أولو الأمر طائفتان من الناس: العلماء هم أولو الأمر في شريعة الله وتبيينها للخلق، والأمراء هم أولو الأمر في تنفيذ الشريعة وحفظ الأمن، أوجب الله طاعة هؤلاء؛ لأجل حفظ الشريعة وحفظ الأمن وانتظام الناس؛ لأن الناس لو تمردوا عليهم وجعلوا أمر الأمير أو أمر العالم كأمر زيد وعبيد لم يكن لهم سلطة على القلوب ولا على النفوس، وصاروا كعامة الناس، إن قالوا فالإنسان بالخيار إن شاء قبل ما قالوا وإن شاء رده، وإن أمروا فالإنسان بالخيار إن شاء أطاع وإن شاء عصى، وإلا فله الخيار إن شاء انتهى وإن شاء فعل، وهذه من كبار المسائل، ولهذا قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] ما قال: وليطع بعضكم بعضاً، قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] فخص ولاة الأمور.