للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة للشباب في التحذير من الفرقة]

فضيلة الشيخ! معلومٌ أنه قد تم إيقاف بعض الدعاة مِن قبل هيئة كبار العلماء، بموجب خطاب لسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، وهذا الخطاب موجود بين أيدي الشباب، وقد ذُكِر في آخره أن ذلك الإيقاف للدعاة حمايةً للمجتمع من أخطائهم هداهم الله، فإذا جاء شخص يحذر من هذه الأخطاء وينبِّه عليها كتلميع أسماء بعض أهل البدع، ثار الناسُ على من يحذر من هذه الأخطاء، واتهموه بالطعن في الدعاة، وأصبحوا يتعصبون لأشخاص هؤلاء الدعاة، ويعادون ويوالون فيهم، فسبَّب ذلك فتنة وفرقة بين شباب الصحوة! فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟

توجيهنا لإخواننا وأبنائنا: أولاً: ألا يكون همهم القيل والقال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينهى عن قيل وقال) .

ثانياً: ألا يكون همهم كثرة السؤال؛ ماذا حدث لفلان؟ وماذا صار على فلان؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كثرة السؤال) .

ثالثاً: وألا يكون همُّهم إضاعة الأوقات، وإفناء الأعمار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإضاعةُ الأعمار أعظم مصيبة من إضاعة الأموال، ولهذا قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩-١٠٠] ، لم يقل: لعلي أبني البناء، أو أبني القصور، أو أركب المراكب الفخمة، أو أتزوج النساء الجميلات، أو ما أشبه ذلك، لم يقل هذا، بل قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:١٠٠] ، فدل ذلك على أن العمر أثمن من كل ما في الدنيا، وإضاعة أوقات الشباب في مثل هذه الأمور خسارة.

فالذي أرى إذا كان الناس يثقون في هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز فليجعلوا الأمر في ذمتهم وتحت مسئوليتهم.

وإذا كانوا لا يثقون؛ فهذا بلاء عظيم! ألا يثق الناس بولاة أمورهم من علماء وأمراء؛ لأن ولاة الأمور هم العلماء والأمراء، كما نص على ذلك أهل العلم.

فأقول: ينبغي لنا أن نبحث عن دور ينفع الناس، ويبنون به ما كان منهدماً، وألا يرجعوا إلى الوراء في الكلام الذي لا يستفيدون منه ولا يفيدون، وربما يحمل بعضَهم على الكذب والغيبة والطعن في الآخرين، فتحصل الفرقة بعد الاجتماع، والعداوة بعد الائتلاف، ويحصل الشر.

علينا أن نبحث الآن عن كيف نعمل؟! وكيف ندعو إلى الله؟! وهل الدعوة إلى الله مقيدة بشروط يحترز الإنسان منها، ويأخذ بالشيء على ما هو عليه، دون أن يُحدِث أمراً يؤدي إلى إيقافه؟! نحن نأمر بأن يُدعَى إلى الله على بصيرة؛ لكن نأمر أيضاً بأن يكون في الدعوة حكمة يُقْصَد بها البناء، ويُقْصَد بها إصلاح الخلق في دينهم ودنياهم.

أما تناقل ما ذكره السائل من كتاب الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله الموجه إلى وزير الداخلية، فلا أرى ذلك؛ لا أرى أن يتناقله الناس، ما الفائدة من ذلك؟! هذا مما يثير الناس على إحدى طريقين: طريقِ أناسٍ يتعصبون لـ هيئة كبار العلماء فيقولون: هؤلاء عندهم أخطاء يجب حماية المجتمع منها.

طريقِ أناسٍ يتعصبون لهؤلاء فيقولون: أخطأ العلماء وضلوا.

فيحصل تحزب إما إلى هؤلاء وإما إلى هؤلاء، والواجب إخماد الفتنة، وإزالة ما بها من فُرْقة، فلا أرى أن يتناقل الناس هذا الكتاب، وأرى أن مَن عنده شيء منه إن كان هناك مصلحة في حفظه فليحتفظ به، وإلا فليمزقه.

كما أرى -أيضاً- أن أشد من ذلك وأخطر ما يتناقله الناس مِمَّا يُرْسَل إلى هذه البلاد من الخارج في نشر ما يُدَّعَى أنه تقصير من الحكومة، أو إخلال بواجب عليها، أو انتهاك لِمُحَرَّم، فإن هذا أدنى ما يقال فيه: إنه غيبة؛ لأنه ينطبق عليه تماماً حد الرسول عليه الصلاة والسلام للغيبة، ماذا قال لَمَّا سئل عن الغيبة؟! قال: (ذِكرُك أخاك بما يكره) ، ولا شك أن الدولة تكره أن تُنْشَر هذه الأشياء التي تنسب إليها، تكرهها قطعاً، إذاً: فهو غيبة، والغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا العمرة، ولا الحج، والتي يكون الإنسان فيها على خطر، أن يعاقَب، هذا إذا كان ما يُنْشَر صحيحاً ثابتاً، أما إذا كان غير صحيح بمشاهدة العيان، وسماع الآذان فإنه ينضاف إلى كونه غيبة أن يكون بهتاناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: (أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) .

وحسبما نسمع عن بعض هذه المنشورات أن في بعضها كذباً لا حقيقة له، وإنما المقصود التشويه.

فنحن نحذر من تناقل هذه المنشورات، ونرى أن في تناقلها إثماً؛ لأنه لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يكسب الإنسان إلا إثماً؛ لأن مقام العلماء ومقام الأمراء والسلاطين مقام حساس، غيبة العالم ليست كغيبة رجل الشارع، وغيبة ولي الأمر ليست كغيبة الكناس ونحوه، غيبة العالم قَدْحٌ فيه بعينه، ثم تقليل للثقة فيما ينشره من شريعة الله، وهذه هي النقطة الخطيرة؛ إذا قلّت ثقة الناس بما يقوله العالم؛ فقد ضاع كل علمه أو أكثره، وعلمُه هو مِن الشريعة، وإذا قلَّت هيبة ولاة الأمور من الأمراء والسلاطين قَلَّ انقياد الناس لهم، واتباع أوامرهم التي لا تخرج عن شريعة الله، وإذا قلَّ ذلك حصلت الفوضى، وصار كل إنسان يعبث على ما يريد، فالمسألة يا إخواني خطيرة! الآن لو أن أحداً من الناس كتب منشوراً فالذي عن يمينه أو عن يساره من عامة الناس -وإن شاء الله فيهم خير- يريد أن ينشره في الناس، أفلا يعتبر هذا عدواناً عليهم؟! هذا عدوان لا شك، وغيبة.

هذا مع أنهم لو قلَّت ثقة الناس بهم، أو انحط قدرهم عند الناس، لم يؤثر شيئاً لا في الأمن، ولا في الشريعة، فكيف إذا كانت الغيبة تخل الأمن، أو تخل بالشريعة؟! وأنا بسطتُ هذا لأني رأيتُ أناساً يحبون الخير، فيظنون أن في نشر هذه المنشورات فائدة، وإني أشهد الله، ثم أشهدكم أن اعتقادي في نشر هذه المنشورات التي ليس فيها إلا الغيبة والسب من كبائر الذنوب، وأن الإنسان لا يزداد بها إلا إثماً، وأن أي فساد يحصل في المجتمع من جراء هذه المنشورات فإن الإنسان سيبوء بإثمه.

كيف نهدم هذا الأمن بأيدينا؟! أمن، ورخاء، وطمأنينة، كيف نهدمها بأيدينا؟! ألم تعلموا أن من الناس من قاموا بالدعوة المسلحة ضد الحكومات التي ليست كحكومتنا، والتي تصرِّح بأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وتضع القوانين الفرنسية، أو الإنجليزية، أو الأمريكية، أو الروسية؛ لتحكم بين عباد الله المسلمين بهذه القوانين؟! فما الذي يحصل؟! وماذا تكون النتيجة؟! تكون النتيجة: الأذى، وازدياد هذه الحكومات عنفاً، وسلطة، ولا استقرار ولا أمن! ثم إننا نرى أن الحكومات إذا ذهبت مَن يخلفها؟! هل يخلفها رجل كـ عمر بن الخطاب؟! أجيبوا! يخلفها شر منها، وهذا شيء مُجَرَّب.

فيجب على الإنسان أن ينظر إلى العواقب والنتائج، ثم ينظر إلى ما يلاقي به ربه يوم القيامة {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦] ، ماذا يقول لله عزَّ وجلَّ؟! لماذا ينشر معائب العلماء، وتنشر معائب الأمراء؟! ما هي الفائدة؟! فنسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا للبصيرة في دين الله، والحكمة في معاملة عباد الله.