قال تعالى:{عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}[النجم:١٥] إذاً: الجنة فوق السماء السابعة؛ فإذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها ماذا يكون؟ يلزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة وهو كذلك، وأعلاها وأوسطها الفردوس -جعلنا الله وإياكم من أهلها- التي فوقها عرش الرحمن جل وعلا، ولهذا قال تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}[المطففين:١٨] وعليين مبالغة في العلو، يعني: في أعلى شيء، المهم أن الله يقول:(عندها) أي: عند هذه السدرة (جنة المأوى) المأوى يعني: المصير، ومأوى مَن؟ مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، هي مأواهم يأوون إليها ويخلدون فيها، وأما النار فهي مثوى الكافرين -والعياذ بالله-.
وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق -الجن والإنس- إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا ثالث لهما، فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة، قال السفاريني رحمه الله في عقيدته:
وكل إنسان وكل جِنَّة في دار نار أو نعيم جَنَّة
لا دار غيرهما.
والقبور هل هي مثوى ومأوى؟ لا.
ليست مثوى ولا للموتى أيضاً، لأن القبور ممر ومعبر إذ أن وراء القبور بعث.
ويذكر أن بعض الأعراب من البادية سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:١-٢] فقال الأعرابي بفطرته وعربيته: والله ما الزائر بمقيم، وإن وراء ذلك شيئاً.
فما معنى: ليس الزائر بمقيم؟ الزائر يزور ثم ينصرف، أيضاً القبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها، قال الله تعالى:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون:١٠٠] فالناس لابد أن يبعثوا.
والعبارة التي نسمعها أو نقرؤها أحياناً: أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير -يعني: إلى المقبرة- عبارة غير صحيحة، لماذا؟ لأن القبور ليست المثوى الأخير، ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أن ينكر البعث.