يقول الله عز وجل:{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}[ق:١٥] : الاستفهام هنا: للنفي.
و (عَيِيْنا) بمعنى: تعبنا.
والخلق الأول هو: ابتداء الخلائق.
يعني: هل نحن عجزنا عن ابتداء الخلائق حتى نعجز عن إعادة الخلائق؟! من المعلوم أن
لا، كما قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ}[الأحقاف:٣٣] أي: لم يتعب بذلك.
فإذا كان جل وعلا لم يتعب بالخلق الأول، فإن إعادة الخلق أهون من ابتدائه، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم:٢٧] وهذا استدلال عقلي يراد به إقناع هؤلاء الجاحدين لإعادة الخلق، فإن الذين كفروا زعموا أن لن يبعثوا وأنه لا بعث، وأنكروا هذا، واستدلوا لذلك بدليل واهٍ جداً فقالوا:{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:٧٨] فقال الله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:٧٩] ثم ساق الأدلة العقلية الدالة على أن الله تعالى قادر على أن يحيي العظام وهي رميم.
قال تعالى:{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}[ق:١٥] : أي: هم مقرون بأننا لم نعيَ بالخلق الأول وأننا أوجدناه؛ لكن:{هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}[ق:١٥] لهذا حسن الإضراب هنا، حيث قال:{بَلْ هُمْ}[ق:١٥] أي: أن هذا عجب من حالهم، كيف يقرون بأول الخلق ثم ينكرون البعث بعد الموت؟! {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} : أي: في شك وتردد من خلق.
{مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} : وهو: إعادة الخلق.
وإني أسألكم الآن: هل القادر على ابتداء الخلق يكون قادراًَ على إعادته من باب أولى؟ الجواب: نعم، وهذا دليل عقلي لا يمكن لأي إنسان أن يفر منه.