قال الله تعالى بعد أن ذكر الإقسام بالسماء والطارق إلى قوله:{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ}[الطارق:٩-١٠] قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}[الطارق:١١-١٢] هذا هو القسم الثاني بالسماء، والقسم الأول ما كان في أول السورة قال:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}[الطارق:١١] .
والمناسبة بين القسمين والله أعلم: أن الأول فيه إشارة إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم هو كما نعلم ترمى به الشياطين الذين يسترقون السمع، وفي رمي الشياطين بذلك حفظ لكتاب الله عز وجل.
أما هنا فأقسم بالسماء ذات الرجع أن هذا القرآن قول فصل، فالقسم الأول مناسبته أن فيه الإشارة إلى ما يحفظ به القرآن حال إنزاله، وفي القسم الثاني الإشارة إلى أن القرآن حياة؛ لأنه قال:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}[الطارق:١١] والرجع: هو المطر، يسمى رجعاً؛ لأنه يرجع ويتكرر، ومعلوم أن المطر به حياة الأرض.
{وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}[الطارق:١٢] الصدع: هو الانشقاق، يعني: التشقق لخروج النبات منها، فأقسم بالمطر الذي هو سبب خروج النبات، وبالتشقق الذي يخرج منه النبات، وكله إشارة إلى حياة الأرض بعد موتها.
والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى:٥٢] فسمى الله القرآن روحاً؛ لأنه تحيا به القلوب.
يقول عز وجل:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}[الطارق:١١] أي: ذات المطر {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}[الطارق:١٢] أي: ذات الانشقاق لخروج النبات منها.