فضيلة الشيخ هل المراد بقول الإمام:(استووا واعتدلوا) يعني: استقامة الصف واعتداله، أم أنه متضمن لسد الفرجات وإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب؟ وما صحة الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لتسون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) هذه المسألة أصبحت بين تفريط وإفراط، فنرجو التوضيح والله يحفظكم؟
أولاً: يجب أن نعلم أن على الإمام مسئولية وهي تسوية الصفوف، بأمر الناس بذلك، وإذا لم يمتثلوا تقدم هو بنفسه إلى من تأخر عن الصف أو تقدم ليعدله؛ لأن نبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يسوي الصفوف كأنما يسوي بها القداح، وكان يمر بالصف يمسح المناكب والصدور، ويأمرهم بالاستواء، ولا أدري هل الناس يعملونها اليوم أم لا؟ بل إن رأى الناس إماماً يفعل هذا ربما صرخوا به، ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، والمهم أن على الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف، فيلتفت يميناً ويستقبل الناس بوجهه، ويلتفت يساراً ويقول: استووا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، تراصوا، سدوا الخلل، كل هذه الكلمات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام بعد أن عقل الناس عنه تسوية الصفوف، وصاروا يسوونها، فرأى رجلاً بادياً صدره - متقدماً بعض الشيء- فقال:(عباد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) وهو حديث صحيح، وفيه وعيد.
ومخالفة الله بين الوجوه قيل فيها معنيان: المعنى الأول: إما أن الله يدير وجه الإنسان فيكون وجهه إلى كتفه -والعياذ بالله.
المعنى الثاني: أن المراد ليخالفن الله بين وجهات نظركم فتفترق القلوب وتختلف، لقوله:(لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) وأياً كان الأمر سواءً لي الرقبة حتى يكون الوجه إلى جانب البدن، أو أن المراد اختلاف القلوب، كلها وعيد شديد، وهذا يدل على أنه يجب على الإمام أن يعتني بتسوية الصف، لكن لو التفت ووجد الصف مستقيماً بالتراص والتساوي في المكان هل يقول: استووا أم لا يقول؟ الظاهر لي أنه لا يقولها، يعني: مثلاً لو كان وراءه رجلان فقط والتفت وإذا بهما متساويان متراصان وعلى الوجه المطلوب فلا حاجة إلى أن يقول: استووا؛ لأن هذه الكلمة لها معناها، وليست كلمة عابرة، فالإمام إذا قال: استووا ورآهم لم يستووا يجب أن يعيد القول وألا يكبر إلا وقد استوت الصفوف.
ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكذلك عثمان لما كثر الناس جعل وكيلاً يمر بالصفوف يسويها، حتى إذا جاء وقال: إنها استوت كبر.
كل هذا يدل على عناية الشرع بتسوية الصف، فإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين: الأمر الأول: التسوية.
الأمر الثاني: سد الفرج والخلل؛ لأنك إذا فتحت بينك وبين الذي بجوارك فرجة جاءت الشياطين ودخلت من هذه الفرج ولبست على الناس صلاتهم.