كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

[خطاب عمر إلى أبي موسى] - فصل [المتلفات تضمن بالجنس] - ج: 3 - ص: 232

الصَّحابة (١)، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وقصة داود وسليمان -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢) من هذا الباب؛ فإن الماشية كانت قد أتْلفت حرْث القوم فقضى داودُ بالغنم لأصحاب الحرْث كأنه ضمَّنهم ذلك بالقيمة (٣)، ولم يكن لهم مال إلا الغَنَم فأعطاهم الغنم بالقيمة (٤)، وأما سليمان فحكم (٥) بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان فضمّنهم إياه بالمِثْل، وأعطاهم الماشية يأخذون منفعتها عوضًا عن المنفعة التي فاتت من غلّة الحرث إلى أن يعود، وبذلك أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجر، فقال الزهري: يغرسُه حتى يعود كما كان، وقال ربيعة وأبو الزناد: عليه القيمة، فغلَّظ الزهري القول فيهما، وقول الزهري: وحكم سُليمان هو موجب الأدلة (٦)؛ فإن الواجب ضمان المُتْلف (٧) بالمثل بحسب الإمكان كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] وإن كان مثل [هذا] (٨) الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرًا فقد دار الأمر بين شيئين: الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة [والماهية] (٨) والمقصود والانتفاع وإن ساوت

---

(١) الذي وجدته في هذا: ما رواه مالك في "الموطأ" (١/ ٧٤١)، ومن طريقه البيهقي (٧/ ٢١٩) أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان قضى أحدهما في امرأة غَرَّت رجلًا بنفسها، وذكرت أنها حُرَّة فتزوّجها فولدت له أولادًا، فقضى أن يفدي ولده بمثلهم ثم ذكر مالك كلامًا، وهو غير الذي نقله عنه البيهقي!
ونقل نحو مذهب عمر، عن علي، وهو مشهور في كتب الفقه، انظر: "المحلى" (٨/ ٥٦٥) مسألة (١٢٥٩)، و"المغني" (٥/ ٢٣٨ - ٣٠٧)، و"المجموع" (١٣/ ٢٩٢ - ٣٢٩)، و"سبل السلام" (٣/ ٧٠)، و"نيل الأوطار" (٥/ ٣٦٢)، و"معجم فقه السلف" (٥/ ٤٧ - ٤٩).
وانظر بحث ابن القيم في: "تهذيب السنن" (٦/ ٣٤٠ - ٣٤١)؛ فإنه مهم، و"الداء والدواء" (ص ٢١٣ - ٢١٤) في مبحث التوبة من الظلامات المالية.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ن): "ضمنه إياه بالقيمة".
(٤) في المطبوع و (ق): "فأعطاهم القيمة".
(٥) في (ن): "وحكم سليمان".
(٦) انظر: "مفتاح دار السعادة" (ص ٦٢)، و"تهذيب السنن" (٦/ ٣٤١)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (٢٠/ ٥٦٣ - ٥٦٤)، و"تيسير الفقة الجامع للإختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية" (٢/ ١٠٧٠ - ١٠٧٤)، "التقريب لفقه ابن القيم" (١/ ١٧٠) للشيخ الفاضل بكر أبو زيد.
(٧) في (ن): "المتلفات".
(٨) ما بين المعقوفتين من (ق).