للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فماعزٌ جاء تائبًا والغامدية جاءت تائبة، وأقام عليهما الحد.

قيل: لا ريبَ أنهما جاءا تائبين، ولا ريب أن الحد أقيمَ عليهما، وبهذا (١) احتج أصحاب القول الآخر، وسألتُ شيخَنا (٢) عن ذلك؛ فأجاب بما مضمونه بان الحد مُطهِّر، وإن التوبة مطهرة، وهما اختارا التطهير بالحد على التطهير بمجرد التوبة (٣)، وأبيا إلا أن يُطهرا بالحد، فأجابهما (٤) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ذلك وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحد، فقال في حق ماعزٍ: "هلَّا تركتموه يتوب فيتوب اللَّه عليه" (٥) ولو تعيَّن الحدُّ بعد التوبة لما جاز تركه، بل الإمام مخيَّر بين


= و"الداء والدواء" (ص: ١١، ١٢٥، ٢١٤)، و"الوابل الصيب" (ص: ١٤، ١٦)، و"الحدود والتعزيرات" (ص: ٧١ - ٨٥) للشيخ الفاضل بكر أبو زيد، و"سقوط العقوبات في الفقه الإسلامي" (٢/ ١٤١ - ١٥٧).
(١) في المطبوع: "وبهما".
(٢) انظر: "الاختيارات الفقهية" (٢٩٦).
(٣) في (ق) و (ك): "عن التطهير بالتوبة".
(٤) في (ق) و (ك): "فأجابه".
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٠/ ٧١)، و"المسند" (٢/ ١٦١ رقم ٦٤٨)، وأحمد في "مسنده" (٥/ ٢١٦ - ٢١٨)، وأبو داود (٤٤١٩) في (الحدود): باب رجم ماعز، ومن طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة" (٥٧٣/ ٤)، والنسائي في "سننه الكبرى" (٧٢٠٥) في (الحدود): باب: إذا اعترف بالزنا ثم رجع عنه، و (٧٢٧٤) في الستر على الزاني، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم ٤٣٥)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (رقم ٢٣٩٣)، والحاكم في "المستدرك" (٤/ ٣٦٣)، والبيهقي (٨/ ٣٣٠ - ٣٣١) كلهم من طريقي هشام بن سعد وزيد بن أسلم، كلاهما عن يزيد بن نعيم بن هَزَّال عن أبيه به.
أقول: هذا إسناد رجاله روى لهم مسلم، غير نعيم بن هزال، وقد اختلف في صحبته، قال ابن حبان: له صحبة، وذكره ابن السكن في الصحابة، وظاهر صنيع أبي داود والحاكم إثبات الصحبة له، وذكره ابن أبي عاصم في الصحابة، أما ابن عبد البر فقال: إنه لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هَزَّال، وهو أولى بالصواب. ولم يرجح الحافظ ابن حجر شيًا، بشيء، وإنما قال: سيأتي حديثه في ترجمة هَزَّال. وقال في "التلخيص الحبير": إسناده حسن. ولم يجزم ابن عبد الهادي في "التنقيح" بشيء أيضًا -كما في "نصب الراية" (٣/ ٣٠٧)، وإنما قال: فإن لم يثبت صحبته؛ فالحديث مرسل.
أقول: حديث هَزَّال الذي أشار إليه الحافظ هو في قصة ماعز، وليس فيه: "فهلا تركتموه" بل فيه: "يا هَزّال لو سترته بثوبك كان خيرًا لك"، وقد وقع في إسناده اختلاف ذكره النسائي في "سننه الكبرى" (٣/ ٣٠٦ - ٣٠٧) ينظر فإنه هام.
وقد روى أبو داود (٤٤٢٠)، والنسائي (٧٢٠٧) ما يدل على أن قوله في الحديث ". . . يتوب فيتوب اللَّه عليه" ليس من كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما قال: "هلا تركتموه وجئتموني به" أي أراد أن يتثبت منه، وقال النسائي بعده: هذا الإسناد خير من الذي قبله. أي حديث نعيم بن هَزَّال. =

<<  <  ج: ص:  >  >>